فلسطين أون لاين

​ملاهي النصيرات.. إبداعات شعبية لخلق الفرح

...
غزة - شيماء العمصي

المزاوجة بين الألم والفرح فنّ يتقنه الفلسطينيون والغزيون, لأنهم أصحاب البصمات الواضحة في تحويل الآلام إلى آمال, فهم المحرومون من المتنزهات والحدائق العامة التي يلعب بها الأطفال ويلهون, بفعل الحصار والفقر المطبق على قطاع غزة, لكنها الإرادة التي يتمتع بها أهل غزة والتي ظهرت في إبداعات أهل النصيرات الذين أصروا على رسم الفرح على وجوه أطفالهم.

والحديث هنا عن المساحة الواسعة المقام عليها سوق النصيرات المركزي، والتي ألهمت سكان المنطقة لتحويلها إلى مدينة ألعاب بسيطة, لكنها عظيمة الأثر.

أهل المخيم استغلوا هذه المساحة المبلطة والمضاءة ليلًا بفعل خلايا شمسية ليرفهوا عن أبنائهم, فالناظر إليها ليلًا يظنها مدينة ألعاب راقية.

في الساحة تجد قطار ألعاب, وسيارات أطفال, ودراجات نارية, ومركبات مزينة ومزركشة, وأصوات موسيقى الفرح منبعثة من أجهزة الصوت, وأطفال يلهون ويلعبون ويشعرون بطعم السعادة التي حرمهم منها الاحتلال، إلى جانب أكشاك وعربات البيع المنتشرة على أرض السوق بالنصيرات.

هذه الأشياء مجتمعة حولت مساحة سوق النصيرات ليلًا إلى منتزه يفر إليه الأطفال والأهالي هاربين من حرارة الجو وانقطاع الكهرباء الذي يزيد على 18 ساعة يوميًا.

العائلات في مخيم النصيرات وجدت مكانًا ملائما لقضاء سهراتها الرمضانية؛ بعدما كانت تبحث عن وجهة لأطفالها ولا تجدها، كون ساحة سوق النصيرات المركزي استطاعت استقطاب عددا كبيرا من العائلات الباحثة عن الراحة والترفيه من خلال السهرات الرمضانية التي أعطتها ضحكات الأطفال المتعالية هنا وهناك طعمًا خاصًا هذه السنة.

وعقب صلاة التراويح تزدحم ساحة السوق بالعائلات والأطفال والنساء من أبناء مخيم النصيرات وشبابها الذين اعتادوا على قضاء السهرات الرمضانية وسط الأجواء الشعبية.

السيدة أم داوود (30 عامًا) قالت لـ "فلسطين": "مباشرة بعد الإفطار، أنظف المطبخ، وأذهب لأداء صلاة التراويح، ومن ثم آتي إلى ساحة سوق النصيرات مع أطفالي"، مبينة أنها تأتي معهم للترفيه عن النفس، بعد صيام يوم كامل لما يقارب ست عشرة ساعة متصلة، وأعمال منزلية متعبة.

وتضيف: "هذه الساحة في الصباح تكون سوقًا كبيرًا، وفي المساء تتحول إلى مدينة ملاهي، ويقوم الشباب والرجال بنصب ألعابهم وتهيئتها في المكان، وتبدأ أجواء الفرح, والسعادة التي تظهر على وجوه الأطفال".

وتشيد أم داوود بإبداع أهالي مخيم النصيرات بتحويل هذه المنطقة إلى مكان حيوي ومهم في ليالي رمضان لتقضي العائلات سهراتها الرمضانية المتواضعة مع أطفالها.

وللأطفال النصيب الأكبر في هذا الجو الرمضاني؛ فبالرغم من بعد المنتزهات والحدائق العامة, إلا أن البهجة والفرح لم تغيبا عن وجوه أطفال المخيم, فامتلأت الساحة بالمراجيح والأضواء وبسطات الألعاب.

حيث عبر الأطفال عن فرحهم وإعجابهم بما توفر لهم في هذه الساحة وما أعطاهم الحرية في اللعب والاستمتاع بما هو موجود.

يقول الطفل محمد لـ"فلسطين": "منذ بداية شهر رمضان آتي إلى هنا بعد ساعة الإفطار مباشرة برفقة عائلتي أو وحدي كوني أسكن قريبا, فساحة السوق تقابل منزلي".

ويضيف محمد: "دائما ألح على والدتي أن تعطيني المصروف، وبعد إلحاح كبير، يعطيه أبوه القليل من المال يمكنه من اللعب في الألعاب", وبحسب والده, يعدّ ذلك مكلفًا, بأنه يعطيه كل يوم مصروفًا لينفقه في مدينة الألعاب, مضيفًا: "لا يوجد مكان آخر نلعب فيه غير هذا المكان".

ويكمل محمد: "كنا نلعب في الطرقات أو نتوجه لقاعة الإنترنت أو محلات الألعاب الإلكترونية, اليوم وجدنا مساحات للعب والترفيه عن النفس".

في حين لم تقف الطفلة أفنان مع "فلسطين" دقيقة واحدة, وأخبرتنا أن الألعاب راقت لها وأنها على عجلة من أمرها لتلتحق بالألعاب، وأهمها لعبة الترامبولين التي تفضلها عن غيرها.

رئيس بلدية النصيرات محمد أبو شكيان قال لـ"فلسطين": "إن الأرض المقام عليها المتنزه استأجرتها البلدية لإقامة سوق شعبي أسبوعي فقط، والاتفاق ينص على عدم استخدامها في غير هذا اليوم".

واستدرك أبو شكيان بقوله: "لكن نظرًا لارتفاع درجات الحرارة وعدم كفاية المتنزهات في النصيرات لحجمها الكبير وارتفاع عدد سكانها، وجد فيها المواطنون مكانًا نظيفًا وواسعًا يسد العجز الموجود"، مؤكدًا أن البلدية فتحت المجال للمواطنين باستخدامها طيلة أيام الأسبوع من باب التنفيس والترويح عن النفس.

ولفت إلى أن البلدية زودت المكان بإضاءة تعتمد على الطاقة الشمسية لتوفير إضاءة دائمة لا تتأثر بأزمة الكهرباء، ويتم توجيه طواقم النظافة بشكل يومي لتهيئتها للمواطنين، خاصة أنها تستخدم في السوق الشعبي وما فيه من مخلفات كثيرة.

ونوه إلى أن البلدية قررت عدم أخذ أي ضرائب من أصحاب المصالح التجارية هناك (كالبسطات – بعض الألعاب – حتى أولئك الذي يؤجرون كراسي "أشبه بمقاهي متنقلة"... إلخ) بالذات في شهر رمضان المبارك.

وختم أبو شكيان بقوله: "البلدية تسعى لتطوير الفكرة إلى متنزه حقيقي، وقمنا بتجهيز مشروع للمانحين بذلك"، مشيرًا إلى أن البلدية ستحاول توفير كراسي ثابتة في المكان، وبعض الخدمات الأساسية الأخرى كدروات المياه، وقد يتم التوجه لتحديد جزء منه ليكون مدينة لعب وترفيه دائمة وثابتة في أرض السوق الشعبي.