فلسطين أون لاين

​الهدايا برمزيتها أم قيمتها المادية؟

...
غزة - نبيل سنونو

الهدايا كلمة واحدة، لكن تخفي خلفها فصولًا من الحكايات بين الناس.

تتكرر هذه الحكايات كل رمضان، وفي مناسبات مختلفة، وسط تساؤلات يطرحها بعضٌ: هل الهدايا لا تزال دافعها الحب، ومعناها رمزي، أم أنها تحولت إلى إلزام اجتماعي، ومعناها مادي؟

فضلًا عن ذلك يتساءل بعضٌ: هل الهدايا باتت بمقابل، أي أن من يهدي هو فقط الذي يُهدى؟، أم أن المجتمع يأخذ بعين الاعتبار الفروق في المستويات المادية بين الناس؟

1 مراعاة

إذا كانت الهدية التي يقدمها بعض الناس لبعض في رمضان عادة ملزمة حتى لغير المستطيعين، وتستند إلى القيمة المادية لا الرمزية؛ فتلك من وجهة نظر السبعيني سليمان أبو عطايا "عادة سيئة جدًّا".

المسن أبو عطايا يعمل خياطًا في مدينة غزة، وتبدو في تجاعيده مواقف عديدة عاشها، يجلس في محله العتيق في نهار رمضان، وهو يمارس مهنته منذ عقود طويلة.

عندما أثير موضوع الهدايا في رمضان أكد أن الناس يجب أن يراعي بعضهم أحوال بعض، لاسيما أن كل شخص أدرى بظروف أقربائه وأصدقائه.

تختلط الأفكار التي تتعلق بهدايا رمضان في بال أبو عطايا، فبعدما فكر برهة من الوقت رأى في دردشة مع صحيفة "فلسطين" أن الناس جميعها تعاني "حتى المليونير يريد بدلًا من المليون اثنين، وذلك الذي يمتلك اثنين يريد أربعة، ومن يملك قرشًا يريد قرشين".

ويقول أبو عطايا: "في وضعنا الحالي يجب أن يراعي بعضنا شؤون بعض"، مستخدمًا المثل الشعبي: "على قد فراشك مد رجليك".

ويضيف: "إن بعض الناس لا يعذرون الآخرين، سواء أزاروهم أم لا، يجب أن يلتمس كل إنسان الأعذار لغيره".

"كل وادٍ وسيله" مثل شعبي آخر يستشهد به أبو عطايا، مفسرًا: "الوادي الكبير ماؤه كثير، والصغير ماؤه قليل، وهكذا كل إنسان يعرف ظروفه".

ويرى أن الإنسان لن ينال رضا بعضٍ، سواء أقدم لهم هدية أم لا، لأنهم سينظرون إلى نوعها وقيمتها.

يتابع مستنكرًا: "مثلًا لو دعوتني إلى طعام يمكن أن أقول: الأرز نيئ واللحم مجمد، بم يعنيني ذلك؟!"، مؤكدًا وجوب الرضا بما يقدمه الآخرون.

ويؤكد أن الهدف الأساسي من الهدية هو القيمة الرمزية، قائلًا: "إذا قدم لك أحدهم هدية رمزية تتكلم عنه، ولو نسيك لعتبت عليه، لماذا كل هذا؟!".

ويتمسك بمقولة: "الجود من الموجود"، مبينًا أنه لا ينتظر هدايا من ضيوفه، ويُقدّر الأوضاع المادية والاقتصادية المتفاوتة بين الناس.

ولا يجب أن تؤدي نظرة بعض إلى الهدايا المقتصرة على قيمتها المادية إلى الامتناع عن زيارة الأقارب، كما يقول أبو عطايا، فالله (سبحانه) "لا يكلف نفسًا إلا وسعها".

ويختتم حديثه: "لو أخذت الكثير من الهدايا فسيتكلم بعض عنك، وإن أخذت القليل فسيتكلمون كذلك"، ليدلل بذلك على وجوب إتمام الزيارات بأي حال.

2 تحوّل

قديمًا (والكلام هنا لشاب أربعيني من مدينة غزة) كانت الهدايا رمزية، ككيس صغير من السكر أو من الشوكولاتة أو باقة ورد، لكن حاليًّا توجه الكثير من الناس إلى هدايا أخرى مكلفة جدًّا، من وجهة نظره.

يسرد محمد صالحة أفكارًا متعددة تدور في خلده عن الهدايا الرمضانية، قائلًا: "إن النظر إليها قيمة مادية يمكن أن يمنع الناس من الزيارات".

ولا ينبغي أن تتحول الهدايا إلى عائق يمنع الإنسان من زيارة أقربائه، بحسب ما ذكر صالحة، مبينًا أنه إذا كان الشخص يحب الآخرين ويريد أن تظل الصلة موجودة؛ فالأصل أن تكون الهدية رمزية وليست بقيمتها المادية، تعبر عن ذكرى، ليقول صاحبها جاءتني من صديق أو قريب عزيز، نوعًا من المودة.

ويلقي بمسؤولية على المضيف الذي قد يكون مستعدًّا لاستقبال ضيوفه بغض النظر عن قيمة الهدية، أو يكون غير مستعد لتقبل ذلك، محذرًا من أنه إذا نظر إلى الهدية من ناحية قيمتها المادية فقد يكون ذلك سببًا لقطع بعض علاقاتهم بالآخرين، وهو ما لا ينبغي أن يحدث.

لكنه يشير إلى "أن القصة معتمدة على الوعي ومقدار المحبة، فإذا كان هناك شخص عزيز عليك بمجرد أن يأتي بيتك وتراه فسيكون ذلك كافيًا، وستشعر أنه مهتم بك".

ويعيد تأكيد أن الهدية يجب ألا تكون حجر عثرة أمام الإنسان الذي يريد أن يصل رحمه، فيجب أن يؤدي الزيارات، وإن لم يكن قادرًا على تقديم هدية، فالأمر لا يتعلق بالمال.

ويرى صالحة أنه إذا كان الطرف الآخر مستعدًّا لاستقبال ضيوفه بغض النظر عن الهدايا وقيمتها؛ فسيعفيهم ذلك من أي إحراج.

"وإذا ارتبطت الهدية بقيمتها المادية تصبح القصة أكبر من طاقتنا" يقول الشاب الغزي، مضيفًا: "بعض الناس يحب أن يُهدي لكنه غير قادر، ويقول: تحت أي ظرف لن أدخل بيت شخص بيد فارغة، ومن الممكن أن يلجأ إلى الاستدانة، ما يتسبب بمشكلة جديدة، فهو لا يملك المال واستدان حتى يرضي شخصًا آخر".

لذلك يجب أن يكون الطرفان: الضيف والمضيف متفهمين الظرف المادي، فقد يكون الأول معيلًا لعائلة كبيرة، والمبلغ الذي سيستدينه لأجل الهدايا من باب أولى أن ينفقه على أهل بيته، خاصة إذا كان عدد الأقارب كبيرًا.

لو زارك أحدهم دون أن يقدم لك هدية، كيف ستتصرف؟، يجيب: "طبيعيًّا جدًّا، يكفيني أن أراه، وهذا يدل على أنه يحبني ويريد أن يزورني، لماذا أشعره بنقص؟!، بالعكس أعبر له عن كوني مسرورًّا جدًّا أكثر مما لو أحضر هدية".

وربما من الغريب أن يعد بعضٌ الهدايا "سدادًا ودينًا"، فإذا جاء أحدهم قريبه أو صديقه بهدية يبادله إياها، وإذا لم يتمكن من إحضارها يمتنع هو عن إهدائه، حتى مع اختلاف المستويات المادية.

يقول صالحة: "لا ينبغي المعاملة بالمثل، فإذا أحضر أحدهم هدية لشخص ولم يأته بمثلها فليلتمس له 70 عذرًا".

ويتمم: "إن الهدية يجب أن تكون معبرة عن الحب، ويجب ألا تتحول إلى مجاملة كاذبة".