مدينة القدس المحتلة بأحيائها الثمانية عشر المحاصرة ببؤر استيطانية وبالجدار العنصري تعيش شهر رمضان بعادات وتقاليد يتوارثها الأجيال، كي تبقى حاضرة في حياتهم، وتساعدهم على الثبات، وعدم الهجرة من زهرة المدائن.
وفي شهر رمضان تقوم فرقة آل الرازم للمدائح النبوية بتقليد مقدسي، فتجوب هذه الفرقة أزقة البلدة القديمة، وتنطلق تحديدًا من باب حطة، ومعها الدفوف، بزي عثماني، تنطلق من حناجرهم المدائح النبوية، وفي مقدمتها أنشودة طلع البدر علينا.
نبيل الرازم أبو النادر مؤسس فرقة آل الرازم المقدسية يقول عن هذا التقليد المقدسي الإبداعي: "هذه الفرقة الدينية ترمي إلى إشاعة السرور والسعادة في صفوف المقدسيين المقهورين بالاحتلال والتهويد والملاحقة".
ويلفت إلى أن من يشاهد الالتفاف حول الفرقة وهي تؤدي الفقرات الفنية لا يتبادر إلى ذهنه وجود احتلال للمدينة، وأن أهلها تحت العقاب الدائم، مضيفًا: "وهي وسيلة إبداعية ذات قيمة نفسية ومعنوية لأهالي البلدة القديمة، خاصة بعد زرع أكثر من سبعة آلاف مستوطن فيها كي يعيثوا فسادًا وينغصوا علينا".
يتابع الحاج الرازم: "تورث هذه الأعمال الفنية في فرقة الرازم للمدائح النبوية للأجيال الصغيرة في العائلة، حتى تبقى راية الفرقة مرفوعة في قادم الأيام ولا تندثر، فهي تقليد مقدسي إبداعي يجب ألا يتوقف مع مرور الزمن".
ويكمل: "انطلاق موكب الفرقة في شهر رمضان، وفي المناسبات الدينية، مثل: ذكرى المولد النبوي والإسراء والمعراج، وغيرها من المناسبات يرافقه حشد مقدسي شعبي، وهذا وحده رسالة من المقدسيين أنهم على أرضهم ثابتون، ويمارسون حياتهم الطبيعية رغم الجراح والألم".
بدوره يقول عمار السدر من لجنة شباب البلدة القديمة في حديث معه عن أجواء رمضان في القدس: "نحن في البلدة القديمة بصفتنا لجنة شباب نحرص في كل عام على عدة أمور، أهمها الزينة الرمضانية لكل أزقة البلدة القديمة حاضنة المقدسات الإسلامية، وأهمها المسجد الأقصى".
ويبين أن شباب البلدة القديمة يستعدون لإحياء السهرات الرمضانية بعد صلاة التراويح في المسجد الأقصى، ويحشدون للذهاب إلى الأقصى، وبعدها تبدأ السهرات الجماعية وتبادل الحديث عن أوضاع القدس وما تواجهه من مضايقات.
ويشير السدر إلى أن جنود الاحتلال يحاولون التنغيص على هذه السهرات الجماعية بالوجود الكثيف، وتنفيذ اعتقالات عشوائية وفحص أمني ميداني، مشددًا على أن كل هذه الإجراءات لا تمنع الشباب المقدسيين من البقاء في الميدان في شهر رمضان.
ويلفت إلى أن هناك إظهار قوة على الصعد والسبل كافة في شهر رمضان، فالبلدة القديمة وباقي أحياء القدس تستعيد عافيتها والحياة فيها بعد أن يسلبهما الاحتلال على مدار أشهر السنة.
أما الناشط المقدسي ناصر الهدمي فيقول: "مدينة القدس في رمضان تولد من جديد؛ فالاحتلال على مدار العام يعمل جاهدًا على خنقها وقتل كل معالم الحياة فيها، لكنه يفاجئ بوجود هذا الكم الهائل من الحياة الكامن في نفوس أبنائها".
ويبين أن العائلات المقدسية في رمضان تزيد من ترابطها الاجتماعي، ويكون المسجد الأقصى محرك هذه العائلات، فالتراويح في المسجد الأقصى للعائلات المقدسية من أهم الطقوس التي تنفرد بها على مستوى العالم.
ويلفت إلى أنه حتى الأكلات المقدسية في رمضان تشاهد قبل موعد الإفطار وهي تخرج من البيوت شاقة طريقها إلى المسجد الأقصى للإفطار على تراب ساحاته ومصاطبه، وإلى العائلات الفقيرة في بعض مناطق القدس.