لكل معركة ملامحها وما يميزها عن غيرها من عناصر جديدة، وما جرى في قطاع الأربعاء وصبيحة يوم الثلاثاء 29 و30 ايار من اشتباك؛ كسرت المقاومة الفلسطينية به جدار الصمت وقلبت التوقعات والحسابات الإسرائيلية؛ رسم الصورة من جديد في العلاقة المعقدة بين الاحتلال والمقاومة والواقع الداخلي والإقليمي المواقف المتباينة والمصالح المتعارضة؛ الردّ العسكري كسر الصورة التي بلورها الاحتلال بعد حرب 2014 وهو عدم رغبة المقاومة في الانجرار إلى الحرب؛ ففعل نظرية الردع النشط، وفرض السيطرة على المشهد السياسي والحالة الأمنية، وطبق نظريته الأمنية؛ الضربة الاستباقية المحدودة لإنهاك العدو واستنزافه (المقاومة الفلسطينية) وأخضعها للتجربة الميدانية، لكن ما حدث من الهجوم السريع والكثيف والرد العنيف والمباغتة كانت كالصاعقة، وهذا افضل تكتيك للمقاومة؛ المباغتة ومسك زمام المبادرة وإحداث الصدمة لإرباك حسابات العدو، وهذا ما تم، وهو الآن في حالة عدم توازن ومرتبك؛ حساباته السياسية والميدانية تهاوت؛ اذ سيكونمضطر للتنازل عن جبهة الشمال لحساب جبهة الجنوب غزة، وهو غير معني بتحويل جبهة غزة إلى الصدارة والاهتمام على حساب الملف الإيراني ؛ بينت وزير التربية والتعليم للكيان الإسرائيلي "يجب أن لا ننزل نظرنا عن هدفنا الأساسي إيران ولن نحرف البوصلة عنها لأن هذا ما يريدونه من إطلاق النار"، وبحسب ما صرح به أكثر من مسئول أن إسرائيل غير معنية بالحرب وتخشى الانجرار إلى حرب مفتوحة، وعدم القدرة على تحقيق الأهداف لغياب الاستراتيجية الواضحة في تحديد طبيعة وحدود الأهداف العسكرية التي تخدم الرؤية السياسية للمؤسسة العسكرية، وتحرص ألا تقع في الخطأ الذي ارتكبته في الحرب السابقة 2014، بترك تحديد الأهداف السياسية للعسكريين في أثناء المعركة كما ذكر تقرير المراقب العام للدولة.
أهداف الحرب على غزة
تتصاعد الأصوات من وزراء في حكومة نتنياهو تطالب باحتلال غزة وهذا يثير السؤال هل إسقاط حماس والقضاء عليها هدف ممكن تحقيقه؟ والسؤال الآخر هل معنية إسرائيل بإسقاط حماس ولمصلحة من؟
هذه المواجهة أثارت الكثير من التساؤلات أمام القيادة الإسرائيلية، وكشفت نقاط الضعف في التفكير الاستراتيجي، بعدم القدرة على احتواء التحولات العسكرية والسياسية في المنطقة بفعل أي تغيير في قواعد المواجهة وإدارة الصراع من قبل المقاومة الفلسطينية ولقد أثبتت أنها أي المقاومة الفلسطينية هذه المرة أنها لا تعمل وفق مبدأ عدم الانجرار حين بدلت صورة المشهد الميداني، وأوفت بوعود الرد على عدوان الاحتلال على قاعدة أن يد العدو ليست حرّة دومًا، وكان من الجيد في اللغة السياسية والدبلوماسية أن تصرح أن قاعدة الاشتباك مع الاحتلال قامت على قاعدة معاقبة المعتدي بالضعف ومقاومتنا بإذن الله يجب أن تبني استراتيجيتها على ذلك معاقبة العدو بالضعف في أي اعتداء قادم، فهذا العدو لا يفهم لغة السلام، والسلام على ماذا؟ الاستسلام والتنازل عن حقنا بالوطن.
لغة المدافع لغة الردع
كل قذيفة مدفع تغني عن سنوات عجاف حول المائدة المستديرة ولقد حققت هذه الجولة القصيرة جملة من الأهداف العسكرية الأمنية في قواعد التحكم في اللعبة مع الاحتلال (إسرائيل) تخشى من سيطرة المقاومة على فرض زمن المعركة؛ يسرائيل كاتس وزير الاستخباراتلدولة الاحتلال "يجب أن يدركوا أنهم ليسوا من يقرر متى تنتهي هذه (الجولة)، وإنما فقط نحن من يقرر متى تنتهي، وإلا لن يكون هناك ردع إسرائيلي". على حدّ تعبيره.
وفي بيان الأجنحة العسكرية حددت القواعد الجديدة وكما جاء في البيان :
أولًا: لقد مضى الوقت الذي يحدد فيه العدو قواعد المواجهة ومعادلات الصراع منفردًا، فالقصف بالقصف، وإذا كان العدو يستقوي بقوى الظلم والطغيان فإننا نستقوي بالله ثم بعزيمة شعبنا وما لدينا من مقدرات امتلكناها بفضل دماء الشهداء ونوجهها اليوم للعدو وفاءً للشهداء وإسنادًا لشعبنا في معركته المتواصلة لنيل حقوقه، ونحذر العدو من مغبة إصراره على كسر المعادلات مع المقاومة أو العدوان على شعبنا وأهلنا، ونؤكد جهوزيتنا للتصدي بكل ما أوتينا من قوة لأي عدوان أو حماقة يرتكبها العدو.
ثانيًا: إن الصديق والعدو يعلم بأن حساباتنا تنطلق من قرارنا الوطني الخالص المرتكز على إرادة شعبنا ومصالحه وتطلعاته، وبالتالي فإننا لن نقف مكتوفي الأيدي أمام عنجهية الاحتلال وقيادته المتغطرسة ولن نسكت على جرائمه، وقد أثبتت الأيام وستثبت في كل مرحلة من الصراع بأن ردنا يأتي في الوقت المناسب والمكان المناسب والطريقة المناسبة.
ثالثًا: إن شعبنا المرابط العظيم الذي يقف شامخًا في مسيرة العودة وكسر الحصار يستحق كل تحية وإجلال على بطولاته الفريدة وعطائه الكبير، ونحن ملتحمون مع شعبنا في تطلعاته للحرية في كل الميادين، وكما أثبتت مقاومتنا اقتدارها في الميدان المناسب في مواجهة العدو، أثبت شعبنا وسيثبت للعالم بأنه ماضٍ في مسيرته المباركة حتى تحقيق كافة أهدافه بإذن الله.
لا شك ان الخيارات امام الجميعمحدودة وهامش المناورة ضيق جدا؛ اما الانسحاب من المعركة بهدوء والاستسلام للقواعد الجديدة التي فرضتها المعركة الاخيرةاو الانجرار الى حرب واسعة وهذا واضح مستبعد لكن الاحتلال لن يخضع للتغير والتنازل عن سيطرته الأمنية وأتوقع ان الاحتلال ينتظر لحظة الصفر ليسجل الضربة الاخيرة لتعطي الانطباع بتحكمه بقواعد الاشتباك وحجم الخسائر للدعاية الداخلية.
ولقد برهنت المعركة على قدرة المقاومة على ادارة المعركة من غرفة قيادة واحدة وهو العامل المهم جدا في الرد والثبات على الاحتلال الذييستخدم كثافة نار وقصف عنيف لتثبيت نظريته الردعية بعد ان سقط الرهان على صمت المقاومة والحذر من الانجرار حرب مفتوحة كشفت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية عن أن الجيش الإسرائيلي يستعد لتصعيد واسع في قطاع غزة، لكنه لا يزال يحاول تجنبه موضحة انه "حتى يوم أمس، كان التقييم والاعتقاد في الجهاز الأمني بأنه يمكن وقف التصعيد في الجنوب ولن تتدهور (إسرائيل) إلى عملية في قطاع غزة ليس معنيا بها الجيش، فيما تعتقد القيادة السياسية أنها لن تحقق نتائج استراتيجية من شأنها تغيير الوضع في الجنوب مقابل حماس". وهذا يجيب على الاسئلة التي اوردنا اسقط حماس وهل إسرائيل معنية بذل وبحسب ما صرح به وزير الاستخبارات يسرائيل كايتس ان الكابينت لم يناقش هذا الامر وإسرائيل غير معنية باحتلال غزة من جديد وإسقاط حماس لأنها ليست مهمة دولة (إسرائيل) كما صرح.
الخوف من الانفجار
النظام المصري اللاعب المركزي الحيلولة دون الانفجار ووقف الاشتباك حيث أعلنت مصر عن عقد اجتماع دبلوماسي استخباراتي مع الأطراف؛ فلسطين والأردن، بالقاهرة، غدًا الخميس 31/ 5/ 2018، لبحث سبل وقف التصعيد العسكري في قطاع غزة، لان شبح الحرب قائمة ما لم تحل ازمة غزة الانسانية وفك الحصار ودور الاطراف فيها والضغط على السلطة لإنهاء الاجراءات العقابية والعودة الى استكمال خطوات المصالحة، بعد ان ادرك جميع الاطراف والإسرائيليين منهم ان الاعتقاد الذي يسود اليوم للغزيين ان الانفجار في وه إسرائيل الحل الوحيد لإنهاء الحصار وجذب الاهتمام العالمي وإعادة القضية الى مركز الاهتمام ووقف مؤامرات التصفية وصفقة ترامب، وان المعركة هناك ضغط داخلي للاستعجال بها لإرباك كل الاطراف المعنية بالصراع الدائر مع الاحتلال والحصار على غزة.
الخلاصة
المعادلة التي تحكم العلاقة بين الطرفين الفلسطينيين والاحتلال دفع الثمن للمعتدي وهذا ما يجسده ردّ المقاومة على اعتداء الاحتلال المتكرر خاصة بعد العدد الكبير من الشهداء الفلسطينيين في مظاهرات مسيرة العودة الشعبية السلمية وكأن شهوة الاحتلال الإسرائيلي في القتل ارتفعت مع استشعارها أن المقاومة غير معنية بالردّ والقتال.