فلسطين أون لاين

إفطار الرجال بالشّوارع عادة لن تنتهي

...
الخرطوم-غزة/ حنان مطير:

كأنّه عيدٌ يسبق عيد الفِطر لشدة ما تملأ الفرحةُ القلوب، والابتسامات تتناثر في سماء السودان مع الغروب، صغار يفرشون أمام بيوتهم من خارجِها المفارش الأرضية التي يطلق عليها السودانيون "البِرِش"، وصينيةٌ تلو الأخرى يحملها الرجال والشباب تُصفّ على تلك المفارش بعد أن تجهّزها النساء.

"فلسطين" تجاذبت أطراف الحديث مع الشابة السودانية إسلام ميرغني عن الأجواء الرمضانية التي يعيش فيها السودانيون، الذين لا يزالون محافظين على كرمهم وتكافلهم حتى اليوم.

وتخبرنا ميرغني أن شهر رمضان في السودان مميز جدًّا في عباداته وطقوسه وعاداته وأكلاتِه، على بساطتِها، فهي تعني للسودانيّ شيئًا كبيرًا يملأ قلبَه بالفرحة.

وعند ثبوت رؤية الهلال يحدث ما يُعرف بـ"الزفة"، إذ تنتظم مسيرة مكونة من رجال الشرطة، والجوقة الموسيقية العسكرية، ثم فئات الشعب من الشباب والرجال، وتطوف هذه "الزفة" في شوارع المدن الكبرى، معلنة بدء شهر الصيام.

تقول ميرغني: "النساء تجهّز الإفطار وتقسمه على صينيتين: واحدةٌ لهنّ داخل البيت، والأخرى للرجال والشباب خارجَه، والعبرةُ في ذلك أن الرجال يجعلون سفرتهم مفتوحة للمارّ بالطريق".

وتضيف: "لو مرّ سودانيّ قريب أو غريب يدعونه للإفطار معهم بإلحاحٍ، فلا يعود إلى بيته إلا وقد أفطَر برفقتهم".

وعلى الشوارع الإسفلتيّة العامّة تقترب الموائد الرمضانية أكثر من الشارع، فإن مرّت سيارةٌ منتقلةً من قريةٍ إلى قريةٍ أخرى فهناك طريقةُ إيقافٍ للسائق جميلةٌ اعتادها السودانيون، كما تصف ميرغني، إذ يمسك أحدهم عمامة رأسه من طرفها _ويصل طولها إلى ما يقارب خمسة أمتارٍ_ ويمسك الآخر طرفها الآخر على عرض الشارع، لتقطع الطريق على المارّ، فتلك طريقة إجباريّة للنزول والإفطار، كأنهم يقولون له: "ممنوع الدخول، انزل افطر ثم امشِ".

ترى ميرغني أنها الخطوة الأجمل والعادة الأروع التي لا تفارق السودانيين، مهما مرّ الزّمان، وفيها تظهر روح التكافل والمحبة بين السودانيين.

أما النساء فبعد الانتهاء من أعمال البيت _وخاصة المطبخ_ فإنهنّ يكافئن أنفسهنّ بالذهاب إلى صلاة التراويح، وفق ما تبين السودانيّة ميرغني التي ذكرت أن أشهر المساجد في العاصمة الخرطوم مسجد السنهوري، ومسجد محمد عبد الكريم، ومسجد عبد الحي يوسف.

تعلق: "تلك المساجد يتسابق إليها المصلّون، لشدة ما يشعرون بطعم العبادة فيها، ومنها صلاة التراويح".

وتشير إلى أن تلك المساجد في رمضان وغالبية المساجد توسع بإضافة مصلّى آخر ملاصق، فتجد المصلين يملؤون المكان داخله وخارجَه.

أما زينة رمضان فعنها تقول ميرغني: "السودانيون لا يزينون بيوتهم والأطفال لا يلعبون بالفوانيس، فاللعبة الأهم التي تبرز في رمضان هي لعبة كرم القدم حين تجتمع العائلات فيجتمع الصغار كذلك".

وتضيف: "الزينة الوحيدة تتمثل فيما يطلق عليه السودانيون اسم "الطبق" الذي يُغطّى على صينية الإفطار، فرمضان محبوب وجميل عند السودانيين لذاتِه".

لكن بعض الأطعمة والمشروبات البسيطة تميّز شهر رمضان في السودان، تتحدث ميرغني: "من المأكولات السودانية "العصيدة السودانية"، والمأكولات الإضافية الفول والطعمية، وأهم المشروبات مشروب "آبري" واسمه أيضًا "حلو مُر"، وهو حصري في رمضان السودان، وتعدّه النساء في البيت بمكونات معينة تتمثل في عجينةٍ وبهارات حلوة، تكسر وتنقع في الماء بعد طهوها وتنشيفها ثم يوضع عليها السّكر"، إلى جانب الكركديه والتبلدي والقونقليز وغيرها.

ودائمًا ما تنبئ رائحة صناعته التي تفوح في أزقة وشوارع المدن والقرى السودانية باقتراب الشهر الكريم، لأن صناعته تكون في شهر شعبان في تقليد شعبي راسخ لنساء السودان، ومذاقه يجمع بين الحلاوة ولذعة البهارات المستخدمة في صناعته، وهو مشروب منعش ويطفئ الظمأ.

أما السحور فالنساء أيضًا يجهزن للسحور وجباته التي تتميّز بطبيعة خاصة، يشترط فيها أن تكون مشبعة لا تؤدي إلى العطش نهارًا، أو تسبب التخمة صبيحة يوم الصيام، وفي الوقت نفسه تمد الصائم بالطاقة اللازمة لصيام يوم حار في صيف بلد شديد الحرارة.

ويعد "الرُّقاق" وجبة رئيسة في السحور عند معظم الأسر السودانية، فهو عبارة عن «كورن فليكس» منزلي، تصنعه السيدات في مطابخهن التقليدية، واسمه "رقاق" لأنّه يكون على شكل "رقائق" هشة وجافة من دقيق القمح والحليب والمنكهات.

ويودع أهل السودان رمضان بإنشاد القصائد الدينية والمدائح النبوية، وعلى كل حال لرمضان عند أهل السودان مذاق خاص وطعم مختلف، وعلاقة الناس به علاقة قوية وحميمة، فهم يفرحون بقدومه أشد الفرح بداية، ويحزنون لفراقه غاية الحزن نهاية.