بهدوء، وبلا تكلف، اقتعد الدكتور غسان أبو ستة حافة المسرح في “دار النمر”، وأخذ يعرض الصور التي عاد بها من زيارته الميدانية الاخيرة، الى قطاع غزة، وانطلق يشرح ما شهده بعينه، وما شارك في اجرائه من عمليات جراحية، مع زملائه من الأطباء المتطوعين أو المحليين في المستشفيات الثلاثة لا غير في القطاع، الذي يزيد عدد سكانه على المليوني نسمة.
كان الطبيب الممتاز الذي عُرف بالخلق الرفيع والمشاعر الانسانية الرقيقة، يعرض صوراً لأعضاء المصابين بالرصاص الذي يتضمن قدراً من السموم بحيث لا بد أن يترك في المصاب اعاقة دائمة..
ووفق شرح الدكتور ابو ستة فان العدو الاسرائيلي يطور اسلحته الفتاكة بين كل جولة وأخرى في الانتفاضة الثالثة في غزة، بحيث يوقع المزيد من المصابين بالشلل والتشوه بما يفقد الاعضاء، والاقدام، بشكل خاص، قدرتها على الحركة.
كان الالم يعتصر وجه الطبيب الممتاز، ولكنه يتابع الشرح لما عاينه على الارض، ثم في المستشفيات الثلاثة في القطاع، وهي التي يفترض أن تخدم المليونين من اهله.. لكنه يستمر في تقديم الصورة الكاملة للانتفاضة الجديدة في غزة بوجهيها، البطولي في الاصرار على المواجهة، بلا سلاح الا الحجر، والوحشي في لجوء العدو الاسرائيلي إلى اسلحة محرمة دوليا، بل والى “ابتكار” انواع جديدة من القذائف أكثر فتكاً، لا سيما في صفوف الفتية والشباب.
أما الجمهور المحدود في تلك القاعة الانيقة فقد صدمته المشاهد المريعة، التي لن يشاهدها الملوك والرؤساء والامراء العرب المشغولين الآن بالبحث عن طريقة للاعتراف بكيان العدو الاسرائيلي، خصوصاً وقد اتخذ من القدس الشريف عاصمة “لدولته” التي قامت على اشلاء الشعوب ومعها الجيوش العربية التي لم تقاتل العدو من موقع العارف بقدراته وقوى الدعم الدولي لتي سبقت وارفقت قيام “دولته”، ثم واكبتها وعززتها بالسلاح، جواً وبحراً وبراً حتى غدت اقوى من الجيوش العربية جميعاً.
في هذا الوقت بالذات، كان جيشا السعودية والامارات يقاتلان، براً وبحراً وجواً، ضد شعب اليمن المنهك بالفقر والكوليرا وعوامل الانقسام الطائفي التي يغذيها، “المستعمرون الجدد”.
وفي هذا الوقت بالذات كان بعض “الاشقاء الخليجيين” يدعمون فلول “القاعدة” و”داعش” في الحرب على سوريا وفيها.
وكان بعض آخر من هؤلاء “الاشقاء” يحاول تخريب الجهود المبذولة لترميم الوحدة الوطنية في العراق، وبينها محاولة افساد الانتخابات النيابية وتعطيل تشكيل الحكومة الجديدة التي يفترض أن تتولى اصلاح ما افسد صدام حسين ثم دمره الاحتلال الاميركي في ارض الرافدين..
وكان بعض ثالث من هؤلاء “الاشقاء” يسعى لتعطيل المحاولات الجارية لترميم الوحدة الوطنية في لبنان، مع وعيهم بانها شرط حياته.
لكن التخريب بل حتى التدمير الذي قد يصيب المستقبل العربي جميعا، فانه قد يكون من مطالب هؤلاء الاخوة ـ الاعداء..
ولعل المطلب الاول والاهم بل والاخطر كان وسيبقى “تدمير” فلسطين شعباً أكد تفوقه في المقاومة والبذل على الشعوب العربية جميعاً… وهو هو مطلب العدو الاسرائيلي ـ الاميركي..
على أن التجربة، على امتداد تسعين عاماً أو يزيد، قد أثبتت أن شعب فلسطين أقوى وأعظم مناعة من أن يستكين أو يستسلم، مهما كانت مواقف قيادته.
إنه شعب منذور للشهادة..
وقدرنا أن الشهادة هي طريق التحرير..
وفلسطين تستحق، في الجهد لتحريرها، دماء الشهداء، وتشوهات الجرحى في الحرب الوحشية التي يشنها عليهم العدو الاسرائيلي، في ظل تأييد عالمي واسع بين عناوينه ما كتب بالعربية وتلفع الكوفية والعقال.