فلسطين أون لاين

​في ألمانيا "يوسف" يحن إلى عرق سوس مخيم "اليرموك"

...
هامبورغ / غزة - يحيى اليعقوبي

عاشت العائلة حكاية لجوء صعبة، خرجت من بين دمار مخيم اليرموك والقصف والقنابل عام 2015م، وغامرت بحياتها ومرت بين حواجز عساكر النظام السوري، وقطعت الحدود، وسافرت عبر البحر لتصل في النهاية إلى مدينة هامبورغ الألمانية، يمر عليها شهر رمضان الثالث وما زالت عائلة اللاجئ الفلسطيني من مخيم اليرموك بسوريا رضوان يوسف (39 عامًا) تحن إلى أجواء الصيام بالمخيم، وإلى اللمة العائلية التي فرقتها الحرب.

وصلت العائلة إلى العاصمة اليونانية أثينا، ومن بعدها إلى مقدونيا وصربيا ثم أوكرانيا، وفي كل دولة منها مكثت العائلة عدة ساعات نتيجة الإجراءات الأمنية، حتى وصلوا كما يتحدث "يوسف" لصحيفة "فلسطين" إلى النمسا التي استقبلتهم استقبالًا أفضل من سابقاتها، ومن بعدها إلى مستقرهم في هامبورغ بألمانيا.

فصول جديدة

في هامبروغ بدأت فصول جديدة من رحلة غربتها، ففي البداية عاشوا بتجمع للاجئين يسمى "كامب جماعيًّا"، وهو عبارة عن صالة كبيرة تضم خيامًا، ومطعمًا واحدًا للجميع ودورات مياه مشتركة.

ويكمل عن شهر رمضان الأول في ألمانيا: "مكثنا عامًا ونصف عام في الصالة الجماعية، كنا نشعر برمضان فقط لأننا نجتمع نحن اللاجئين، لكننا نجبر على تناول الطعام المعد لنا في المطعم، ثم استبدلوا بالخيام "كرفانات"، وعشنا شهر رمضان الثاني على الحالة نفسها، كان المطعم يعد لنا الإفطار".

"يا ريت ما إجينا، الوضع صعب، ليش صار فينا هيك؟!" كان هذا الكلام المتكرر الذي يوجهه أبناء يوسف له، معبرين عن صعوبة الحال.

وقبل ستة أشهر استطاع رضوان بمساعدة ألمانيين الانتقال إلى مسكن منفصل، ورمضان الحالي هو الأول الذي تعيشه العائلة بعيدًا عن المعاناة السابقة، يشير إلى أن هناك أزمة إيجاد سكن في ألمانيا، خاصة أن الألمانيين ليسوا جميعهم يقبلون وجود اللاجئين.

أقرب مسجد هناك يبعد عنه ساعة ونصف ساعة، يقول: "لا أعرف موعد الأذان، نفتقد سماع صوت أذان المغرب، لا نعلم أرفع أذان الفجر أم لا، رمضان كان في مخيم اليرموك مختلفًا".

19 ساعة صيام

ويؤذن للفجر حسب التوقيت في ألمانيا الساعة الثالثة وخمس دقائق فجرًا، أما المغرب فتوقيته الساعة التاسعة والنصف مساء، بمعنى أن الصائم في ألمانيا يصوم 19 ساعة، يضيف يوسف: "يوجد مسجد وحيد بالمحطة الرئيسة في المدينة، ويبعد عنا مسافة ساعة ونصف مشيًا على الأقدام".

ويبين أنهم لا يستطيعون الذهاب إليه لأداء صلاة التراويح؛ فتقضي العائلة معظم وقتها في رمضان بالبيت، سوى محمد (14 عامًا) وشهد (13 عاما) اللذين يذهبان إلى المدرسة.

ويفتقد يوسف اجتماع أهل الحارة في المخيم الذي أصبح حجارة مدمرة خاوية من أي إنسان، ويعود به الحنين إلى ما قبل هجرته من المخيم قبل ثلاثة أعوام، مستعيدًا اللحظات الحلوة التي أصبحت ذكرى.

يقول: "كنا في المخيم نعد أكلة واحدة على مائدة الإفطار، ولكن ما إن يرفع الأذان حتى تأتينا عدة أصناف من الأكل من الجيران، وأفتقد رغيف الخبز مع الدبس".

وفي صوت يوسف حكاية أنين وشوق إلى ذلك المخيم الذي كان يعمل فيه بائع عصائر (تمر هندي، وعرق السوس)، وإلى ازدحام الناس والسيارات في المخيم وقت الإفطار، فيقدم العصائر للسائقين، يتحسر على ما حل بالمخيم: "رمضان باليرموك غير، لكن خربوا الدنيا، ما خلوا بيت على بيت، المخيم تدمر، ولا نستطيع العودة".

ومن الجميل هنا أن الكثير من الألمان يحترمون الصائم المسلم، ومن مظاهر الاحترام أن الألمان لا يأكلون الطعام أمام المسلمين وقت الصيام، ويعيش بالقرب من رضوان جيران ألمان (سيدتان) دائمًا ما يأتون لتفقد أحوالهم، ووقت الأذان يأتون إليهم للجلوس على مائدة الإفطار معهم، وتعلم إعداد الأكلات العربية.

ولا يفتقد رضوان مخيم اليرموك فقط، بل يحن إلى اجتماع العائلة وتزاورهم في رمضان، فبسبب الحرب السورية تفرق الإخوة والأخوات، كلٌّ منهم هاجر إلى بلد، وباتت تفصل بينهم مسافات كبيرة.

قبل الحملة العسكرية التي شنها النظام السوري على المخيم بشهر كان لدى رضوان وغيرهم من آلاف اللاجئين أمل في العودة إلى المخيم، لكن بعد الحملة التي أدت إلى تدمير المخيم تبدد الأمل، "بعد الدمار تبين أنها لعبة ولا يريدون عودة اللاجئين" قالها والحزن يقطر من صوته على حال المخيم.