شباب من خيرة أقرانهم، قدموا أرواحهم رخيصة من أجل الوطن، يحرسونه عند ثغر من ثغور الرباط على حدود قطاع غزة مع الأراضي المحتلة عام 1948، اختلطت أشلاؤهم ودماؤهم المتناثرة ببعضها البعض، تماما كما التقت أجسادهم في طريق الجهاد والمقاومة.
هم الشهيد حسين سمير العمور (22 عاماً)، والشهيد نسيم مروان إبراهيم العمور (25عاماً) وكلاهما من سكان منطقة الفخاري شمال شرق مدينة رفح، والشهيد عبد الحليم عبد الكريم الناقة (29 عاماً) من سكان بلدة خزاعة شرق مدينة خانيونس، جنوب قطاع غزة.
اتخذ المجاهدون الثلاثة موقعا لهم للرباط فيه، شرق خان يونس، قبالة مواقع الاحتلال وثكناته العسكرية، يراقبون تحركاته ونشاطاته العسكرية، رغم يقينهم أنهم معرضون للخطر في أي لحظة من اللحظات.
تعرضوا لقصف الاحتلال الغادر، فجر أول من أمس، ليرتقوا شهداء، وهم مجاهدون مرابطون على ثغور الوطن، صائمون رمضان، وقد ودعوه في اليوم الحادي عشر من أيامه المباركة.
شيعهم آلاف المواطنين في ثلاث جنائز منفصلة مهيبة، سادها الغضب والمطالبة بالثأر لدمائهم.
وينتمي الشهداء الثلاثة لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، والتي بدورها نعتهم وأكدت أن صراعها مع الاحتلال مفتوح، وإنه لن يفلح بفرض معادلة جديدة يستبيح من خلالها دماء أبناء شعبنا ومجاهدينا دون رد يؤلمه.
أما ذوو الشهداء أكدوا في أحاديث منفصلة لصحيفة "فلسطين" على مواصلة طريق المقاومة والجهاد حتى النصر والتحرير.
وقال شقيق الشهيد حسين العمور، هيثم (30عامًا): "نعيش سويا لوحدنا ويشتد عضدنا ببعضنا البعض، بعد وفاة والدينا"، داعيا المولى أن يرحمه ويتقبله في سجل الشهداء.
وتابع بصوته الباكي والدموع تغرق وجنتيه حزنا على فراق شقيقه الوحيد: "أذكره عندما كنت أمزح معه، وأرد عليه عندما كان يخبرني أنه يريد مقاومة الاحتلال حتى الشهادة؛ ستكون أول الهاربين، فيبتسم ويقول: سترى من الذي سيهرب".
وأضاف العمور: "قال لي ليس لدينا وقت للهروب وإنما سندوس رؤوس بني صهيون، وسنثأر لدماء الأبرياء والأطفال الذين يقتلهم الاحتلال في مسيرات العودة بدم بارد".
وأكمل حديثه: "عندما علمت أنه يعمل في سرايا القدس لم أمنعه، بل وقفت عند رغبته واحترمت عمله، رغم أنه شقيقي الوحيد".
وأوضح أنه تواعد مع شقيقه حسين للخروج سويا إلى المقبرة بعد رباطه، من أجل زيارة قبر والدهما والدعاء له وبناء القبر، سيما أنه توفي قبل نحو ستة أشهر، قائلا: "رحل حسين ورحل والدي ورحلت أمي أيضا قبل سنتين، وبقيت أنا وحيدا".
ولفت العمور أن شقيقه كان دائم الحركة والتنقل ومخلصًا في عمله، محبوبا من الجميع، محافظا على صلاته في جماعة، مضيفًا: "كنا نتطلع للزواج وبناء أسرة، فشرعت أنا بذلك وخطبت فتاة، فيما هو فضل الانتظار حتى إتمام زواجي؛ لكن غدر الاحتلال غيبه عَنّا".
بدورها، رفعت والدة الشهيد الناقة أكفها إلى السماء ودعت بالرحمة والمغفرة والقبول لنجلها، والهلاك لمن غدر به وقطعه أشلاء بصواريخه الحاقدة.
وقالت: "يا رب انتقم من الصهاينة وخذ لنا حقنا منهم، ودمرهم كما دمرونا وقتلوا أبناءنا"، مضيفة: "حرموه من أطفاله وحرموا أطفاله من حنانه وأبوته، قاتلهم الله".
وأوضحت الناقة أن نجلها كان حنونا كريما، وكان يتحلى بكل الصفات الطيبة والجميلة، مشيرة إلى أنه طلب الشهادة ونالها في سبيل الله، بعد عمل طويل في ساحات الجهاد والإعداد.
وأكدت دعمها للمقاومة والمقاومين، قائلة: "ربنا معهم، يعطيهم الصبر والقوة والعزيمة لدحر الاحتلال وتحرير الأرض والمقدسات".
وظهرت بصورة المرأة الصابرة المحتسبة بقولها: "قدمت رِجل رامي التي بترت، وها أنا اليوم أقدم عبد الحميد في سبيل الله ومن أجل الوطن، ونسأل الله أن يجعلنا من الصابرين".
كما أكدت الوالدة المكلومة، على مواصلة أبنائها وأحفادها الجهاد والكفاح والمقاومة على طريق أسلافهم، وعلى طريق الشهداء.
وفي السياق، سار والد الشهيد نسيم العمور في جنازته، وقال بحشرجة في صوته: "والله إني راضٍ عنك".
ومضى الوالد وقد أغرقت الدموع خديه، واحمرت عيناه من الحزن لفراقه: "الله يرحمك يا نسيم..، الله يرحمك ويسامحك"، ومن حوله الرجال يؤازرونه في مصابه.
وارتقى العمور متأثرا بجراحه، بعد ساعات من الإصابة، ليلحق شهيدا برفيقي الرباط حسين وعبد الحليم.
وسبقت قدما "نسيم" باقي جسده حين دفنها المشيعون في قبر رفيقه حسين.
وأوضح محمد معمر صديق الشهيد نسيم العمور: "نسيم عريس جديد لم يمضِ على زواجه سوى خمسة أشهر"، مشيرا إلى أنه طيب الأخلاق، أحبه كل من عرفه وعاشره.

