فلسطين أون لاين

​الصوم حلٌ مؤقت لتأخير الطعام

...
تصوير / رمضان الأغا
غزة - هدى الدلو

لعله جاء شهر رمضان لينقذها من الوضع المأساوي الذي تعيش فيه هي وعائلتها، فاتخذت من الصيام حجة لإسكات أبنائها الصغار عن طلباتهم المُلحة بحاجتهم لما يسد رمق جوعهم ويُسكت "عصافير بطونهم" التي لا تكف عن زقزقتها.

"صوموا عشان ربنا يدخلكم الجنة، لما يأذن المغرب بنفطر، وهيك ربنا راح يكتب لنا حسنات كثيرة"، هكذا أصبحت الأم تُسكت أبناءها السبعة التي تكفلت برعايتهم وحملت مسئوليتهم في ظل غياب زوجها الدائم عن البيت بفعل قضايا الذمم المالية المقدمة ضده في المحاكم.

عائلة المواطن "م. خ" عاطل عن العمل، فقد كان عاملا ويسد رمق أبنائه وطلبات عائلته، حتى لو حصل على أجرة يومية لا تتعدى العشرة شواكل، ولكن لعل الحال الذي يعصف بالوضع الغزي وسوء الوضع المعيشي في القطاع أفقده عمله المتقطع، ليعيش وعائلته على الدين.

بدأ الدين يثقل كاهله دون أن يشعر حتى وصل المبلغ إلى ثلاثة آلاف دولار، وأصبحت تقدم ضده ذمم مالية، تقول زوجته: "أصبحنا لا نراه، دائمًا محبوس، أبنائي يفتقدونه، وأنا تعبت من المسئوليات والأعباء الملقاة على كاهلي من تحمل مسئولية الأبناء والبيت في غيابه".

وتضيف: "أصبحت لا أعرف كيف أدبر أمري في تلبية احتياجات البيت، وطلبات أبنائي في توفير الطعام والشراب، فكثيرًا ما أرسل ابنتي لجلب حبة بندورة من جيرانها"، مشيرة إلى أنها تسكتهم بأي شيء في البيت، ولو كان خبزًا يابسا مبللًا بالقليل من الماء مع حبة البندورة، "أو نقضي نهارنا على وجبة الدقة".

حياتهم أصبحت لا تخلو من الدين، فلا يوجد شيكل واحد في البيت، فإذا احتاجت شراء خضار أو دواء أو أي مستلزم للبيت فإنها تضطر لشرائه دينًا، والجميع يعلم حجم الاحتياجات التي تحتاجها عائلة مكونة من تسعة أفراد.

وتكمل الزوجة حديثها بصوت مختنق: "جاء رمضان هذا العام كضيف ثقيل، زوجي في السجن، ولم أستطع شراء أي شيء من مستلزمات السحور"، وكأي أم مناها أن تلبي طلب ابنها قبل أن يتفوه به، ولكن ما في اليد حيلة، فـ "ينحرق دمها" عندما يطلبون طلبا ولا تستطع توفيره حتى لو كان بسيطًا.

تتقاضى شيكا من الشئون الاجتماعية بقدر 1200 شيكل كل ثلاثة شهور في الأصل، وفي هذه المرة قد تأخر ومر عليها خمسة شهور لما تتقاضاه، وعلى كل حال، فإنه مخطط لكيفية صرفه في تسديد إيجار البيت الذي تبلغ تكلفته 400 شيكل.

ومع تأخر شيك الشئون والديون المتراكمة على زوجها أصبحت تخشى من كابوس الطرد من البيت، والذي أصبح يراودها كلما أغمضت عينيها، وتتمنى أن تعيش حياة يسودها الاستقرار والطمأنينة، بعيدًا عن الخوف مما يحمله غدًا لهم.

ويبكي قلبها على ابنها الصغير الذي يبلغ من العمر عامين عندما تصيبه الأزمة الصدرية، ولا يكون بوسعها تأمين البخاخ والأدوية التي يحتاجها للتخفيف منها، هذا إلى جانب اثنين من أبنائها يعانون من ضعف النظر ويحتاجون إلى تركيب نظارات طبية.

أما البيت الذي لا تتعدى مساحته 50 مترًا مربعًا، فإنه يفتقد للهواء، والضوء، وفي "عز النهار" تشعر وكأنك في أحلك ساعات الليل ظلمة، لعدم قدرة ضوء الشمس على التسلل لداخل البيت، هذا عدا عن افتقادهم للفراش ليحظوا على الأقل بنومة هنية.