فلسطين أون لاين

​حتى لا يخفت حب رمضان

...
غزة - حنان مطير

كان الصغير محمد ابن الثماني سنوات متلهفًا للصيام فيوصي والدته مرارًا وتكرارًا أن توقظه ليشاركهم السّحور، فتفعل وتوقظه أحيانًا لأنها على علمٍ بأنه غير مكلّف، لكنه لم يكن يأكل غير بضع لقيمات لا تشبع عصفورة.

يستيقظ محمد وما تزال نيَته للصيام واضحة وحقيقية، لكنه بمجرد أن يقوم من فراشه يجد الجميع نيامًا ينزل إلى الشارع، ويبدأ باللعب والركض وركل الكرة، مع اولاد الجيران المفطر منهم والصائم، لتمر الساعة تلو الأخرى.

لم تكن والدته أو أيٌ من أهلِه ينصحه بتوفير طاقته وجهده نهار الصيام، في حين أن اللعب في حياة الطفل هو الأساس خاصة في ظل الإجازة الصيفية.

مرّت الساعات فنفذت الطاقة من الصغير محمد، حاصره الجوع والعطش شيئًا فشيئًا، حتى إذا ما اقترب موعد العصر طلب من والدتِه أن يفطر لأنه لم يعد يحتمل.

أخْبَرته أنها لن توقظه للسحور مرةً أخرى إن هو أفطر، فصَمَت قليلًا، لأن الاستيقاظ سحورًا ومشاركة أهلِه أجواءهم هي أجمل ما في الشهر الكريم بنظرِه، لكنه عاد إليها من جديد يُكرّر طلبَه، فأخبرته أن موعد الإفطار لن يكون بعيدًا وقد أذّن العصرُ متجاهلةً مشاعره.

حاول الصغيرُ الاحتمال فلم يقدر، حتى إذا ما غادرت أمّه المطبخ وتركت بعض الأطعمة أمامه على طاولة المطبخ، اختلس لقمةً صغيرةً وقضمها لتكون في معدته خلال ثوان، فلا هي أشبعتْه، ولا هو ظلّ محتفظًا بصيامِه، إنما رغمًا عنه اضطرّ للتصرف بطريقةٍ غير صحيحة حين اختلس اللقمة.

ومع صوت أذان المغرب أفطر الصغير مع الصائمين كما لو أنه صائم حقًا، لكنه في اليوم التالي رفض أن يقوم للسحور، إذ ارتبط بذهنه شرطًا أن سحوره يجبره على الصيام ليومٍ كامل، ليفقد أجمل ما يحب في رمضان.

الأخصائية النفسية والإكلينيكية أ. عايدة كساب أكّدت أن تلك النتيجة طبيعية لمثل تلك التصرفات التي قامت بها الأم حين لم تنتبه لمشاعر صغيرها الجائع ولا لقدراتِه الأضعف من أن يكمل صيامَه.

وقالت:" إن الطفل إذا ما لاقى احتواءً له ولمشاعره فإنه يتّجه للتصرف بطريقته التي غالبًا ما تكون خاطئة كونها تنبع من عقلٍ صغير".

وأضافت: "بدلاً من أن تشجع الأم طفلَها على الصيام وترغّبه في حب شهر رمضان وأجوائه من سحور وإفطار وغيرهما فإنها بحزمِها الشديد غير النابع عن وعيٍ ولا دين قد دفعته للسرقة أولًا ثم الابتعاد عن سنةٍ نبوية مهمة تتمثل في السّحور".

فالحزم الشديد لا بد وأن يكون واعيًا مقدرًّا ومناسبًا للظرف الذي يعيشه الطفل، وكان الأجدر بالأم أن تحدد لطفلها ساعة معينة للصيام وفق قدراتِه فينشأ على حب رمضان وأخلاقه.