نحمد الله عز وجل أن جعلنا ممن يدركون هذا الشهر فصيام نهاره وقيام ليله علامة من علامات محبة الرب للعبد وطريق لتطهير القلب وحياته كونه محل نظر الرب فالله لا ينظر إلى صورنا ولا إلى أجسادنا وإنما ينظر إلى قلوبنا كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لهذا أخبرنا أن صلاح الجسد بصلاح القلب حين قال وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب فالفائز هو صاحب القلب السليم، القلب المنيب وهو الذي يتوجه لربه بالدعاء لا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، سليم من الشرك والنفاق والضغائن والأحقاد والأحساد وكل أمراض القلوب وأسباب عللها، منيب إلى الله بالطاعة مقبل عليه لا يتأخر عن فريضة ولا يقصر في نافلة، ولما كان الصيام لا يعلم حقيقته إلا الله كان من الأعمال القلبية والتي لها أثرها في سلامة القلب وإنابته هذا ما قاله بعص أهل العلم: في الحديث القدسي "الصيام لي وأنا أجزي به" وقد أشار حبيبنا المصطفى عليه الصلاة والسلام إلى أن الصيام جنة أي: وقاية من النار، أو وقاية من الوقوع في الآثام، ومعلوم أن العبد لا يقي نفسه من النار إلا إذا سلم قلبه وأناب، ولا يسلم قلبه وينيب إلا إذا خلا من المعصية وآثارها؛ لهذا قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ، صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ، حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ ذَاكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ [ص:334] عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]".
فينبغي للعبد بعد هذه الجولة من العبادة في شهر الصيام أن يصبح قلبه قلبًا مخموم أي تقي ونقي لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَد، كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه ابن ماجه في سننه فهذه علامات سلامة القلب ومن كان هذا حاله في الدنيا كوفئ به في الأخرة فالجزاء من جنس العمل وسريعا نقول إن صمنا محتسبين صيام رسول رب العالمين سيكون لهذا الصيام أثره على قلوبنا فتخشع لذكر الله وتطمئن، وتقبل على طاعة الله، وتحجم عن معصيته، وتستحضر عظمة الله وقدرته كما وتستحضر سعة مغفرته وواسع رحمته، وتلين جلودنا، وتنقاد جوارحنا إلى كل خير، وختاما ربنا تقبل صيامنا واجعل أثره على قلوبنا ملموس في أخلاقنا وسلوكنا وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم وعلينا معهم يا رب العالمين.