فلسطين أون لاين

​الهدوء "سيّد المواقف" في رمضان

...
غزة - نبيل سنونو

تتفاوت أساليب الفعل ورد الفعل بين إنسان وآخر، فإذا كان شخص بائعًا في السوق، أو مشتريًا، أو كان في منزله وحارته، كيف يكون تصرفه مع المحيطين، خصوصًا في شهر رمضان؟

1 عِبر الشهر

في سوق الزاوية العتيق، خمسيني أكلت المهنة منه "راقات"، يجلس خلف فرش لبيع بعض المستلزمات الكهربائية، ولطالما عايش الناس، وتعامل معهم في كل الأوقات، ومنها رمضان.

لم يتردد أبو إيهاب الحلو، بالدردشة مع صحيفة "فلسطين"، حول الأفعال وردودها بين الناس في الشهر الكريم على نحو خاص، بخلاف بعض البائعين الذين لا يرغبون بمناقشة بعض المواضيع الاجتماعية.

وعند سؤاله عن مشاهداته في السوق، كانت بداية إجابته بالتأكيد على أن من عِبر رمضان الحث على ضبط الأعصاب، وعدم الغضب، وأن يتعلم الإنسان من الصيام الصبر والحكمة والشعور بالآخرين، والحرص على التكافل الاجتماعي، وأن يكون المسلمون يدا واحدة بالحق والخير.

وهو يرى أن هذه القيم تسود المجتمع الفلسطيني لا سيما في قطاع غزة، ومع ذلك فهناك بعض الاستثناءات التي تقع فيه بين الحين والآخر من قبل بعض الأفراد، كما يمكن أن يحصل في سائر المجتمعات حول العالم.

يقول الحلو: "بعض الأفراد يتشاكلون ولا يوفرون كلاما ضد بعضهما إلا ويقولونه، كلاهما يرد على الآخر، يا عمي الدنيا رمضان!"، مضيفا: "إذا هممت بأن تفصل بينهم ستتحول أنت إلى جزء من المشكلة!".

وهو يختار ألا يتدخل في أي إشكال قد يطرأ في محيطه، قائلا: "اثنان يختلفان، تذهب لتفصل بينهما، سيقول لك: ما دخلك أنت؟"؛ من وجهة نظره.

ويعتقد أن هناك باعة ينظرون لبعضهم البعض في مسألة البيع والشراء، باتجاه من باع أكثر ولماذا، ما يولد بينهم مواقف غير مرضية، "مع أن الأرزاق والأعمار بيد الله"؛ كما يقول الحلو.

يشدد الرجل على أن رمضان والصيام يجب أن يكونا سببا في الدفع باتجاه الهدوء خصوصا في السوق، وليس العكس، وأن يلتزم فيه الجميع دون استثناء بالقيم الدينية، وبالصلاة في موعدها، قائلا قبيل آذان الظهر: "أنتظر ابني لكي أتوجه إلى المسجد، فالصلاة في موعدها أولى من التجارة".

يذكر الحلو أن أحد الزبائن جاءه منفعلا، إذ سأله عن ثمن إحدى الحاجيات فأجابه: "بـ10 شواقل"، فما كان من الزبون إلا وأن وجه له كلمة قاسية، معللا ذلك بأن ثمنها أرخص في أماكن أخرى.

كيف كان رد فعلك على ذلك؟ يجيب عن هذا السؤال: "لا أرد عليه، ولا أرد الإساءة، فإذا كان هو عصبيا لا يجب أن أكون مثله لئلا تتفاقم الأمور، وأكتفي بالقول: بين البايع والشاري يفتح الله وإذا تمكنت أشرح له الفروق بين السلعتين".

ويشير إلى أنه يراعي الظروف الاقتصادية والمعيشية التي يمر بها قطاع غزة تبعا للحصار، والذي يزيد من الضغوط الواقعة على المواطنين.

2 كلمة خير

على عربة في محيط سوق "البلد" بمدينة غزة، يبيع محمود الجملة (37 عاما) الملابس، باديا عليه أقصى درجات الهدوء في التعامل مع الزبائن وغيرهم.

كان ذلك في "عز الصيام" خلال رمضان، وهو وقت يتجول فيه كثير من الناس في الأسواق لتلبية ما يستطيعون من احتياجات أسرهم.

"بالنسبة لأجواء رمضان هي حلوة، لكن لا نغفل الظروف التي نعيشها والتي تسببت لبعض الناس بالضيق، فمجالات الحياة هنا صعبة"، يقول الجملة، قاصدا الحصار المفروض على قطاع غزة وتداعياته كأزمة الكهرباء، وغيرها، ونقص الأدوية والمستلزمات الطبية لعلاج الجرحى بسبب هذا الحصار أيضًا، والعديد من التداعيات الأخرى.

يعتقد الجملة أن هذا ينعكس أحيانا على تعاملات البعض، ويتسبب لهم في "ضيق الصدر"، لاسيما عندما لا يتمكن رب أسرة من توفير احتياجات أسرته، خصوصا إن كان فيها أطفال، وأقلها المأكل والمشرب.

لكنه مع ذلك، يؤكد أن رمضان له أهداف، ويجب أن تتناغم تصرفات الجميع معها، قائلا: "عندما يكون الإنسان صائما يجب أن يحفظ الصيام، وأن يتحمل ويصبر وألا يغضب، ويجب أن يحاول التغاضي عن أمور تغضبه".

"ومن دواعي سروره" لم يقابل الجملة في رمضان زبائن ينتابهم الانفعال، مجيبا عن سؤال: كيف ستتصرف إن قابلت إنسانا غاضبا؟ بقوله: "سأمتص غضبه، وأهدئه، وأفهم سبب ذلك، وإذا تمكنت من أن أصلح وأقول كلمة خير سأفعل".

3 خبرة الحياة

عندما كانت أم سامي في طريقها إلى السوق، أجابت عن سؤال صحيفة "فلسطين": كيف يتعامل الإنسان مع الآخرين إن كانوا منفعلين خصوصا في رمضان؟

هذه السيدة الستينية تبدو في نظراتها "خبرة الحياة"، وتترجم كلماتها ذلك، فهي تقول ابتداء إن الإنسان يجب ألا ينفعل بسبب أمور لا تستحق، وعليه أن يغلّب العقل والحكمة.

وتضرب مثلا برجل قد يتدخل في شؤون الطبخ دون موافقة زوجته، لكن على الأخيرة أن تنظر إلى ذلك بعين إيجابية من باب المساعدة، وفي الوقت نفسه العمل على إشغاله بأمور أخرى.

وتضيف أن مما قد يحدث، أن ينفعل الأب أو الأم من ابنهما، لكن عليهما أن يتعاملا معه بالطريقة التي يريدونه أن يسلكها للتعامل مع الآخرين، من الروية، والتفهم.

أيضًا –كما تتابع أم سامي- قد تختلف وجهات النظر داخل الأسرة الواحدة، أو الحارة، أو المجتمع، في مواقف أو مواضيع مختلفة، لكن على الجميع أن يتقبل الرأي الآخر، وينصت إليه، كما يحب أن يعامله الآخرون.

وتلخص هذه المسنة، الموضوع بأن "الهدوء يجب أن يكون سيد الأفعال والمواقف لا سيما في رمضان".