ما وصلت اليه غالبية دول الوطن العربي هذه الايام تمثل مرحلة متقدمة في ما بشر به مالك بن نبي في قابلية الاستعمار وما بشر به علي شريعتي في النباهة والاستحمار وذلك في العلاقة بين الاستعمار وسياساته الاستعمارية والدول المستهدفة ..
كانت مرحلة قابلية الاستعمار التي حاول الاستعمار ارساء قواعدها في البلاد المستعمرة قد فشلت فشلا ذريعا بفرضها بقوة السلاح ، خرج الاستعمار من الباب ليعود عبر النافذة وليتعاون مع حكام أمناء على ايصال البلد الى حالة الانسجام التام مع خطط هذا الاستعمار السياسية والاقتصادية ، فوصل الى ما يريد بالمكر والسياسة والى ما لم ينجح الوصول اليه بالاستعمار المباشر .
وانطلت الحيلة على الشعوب الواهمة بتغيير الاحوال من خلال سياسة الاستحمار التي مورست على دول رضيت شعوبها بحكام تساوقوا مع هذه السياسات . اذاً كانت البداية : ان يعمل الاستعمار فينا عمله الى ان نصل الى درج تقبله وتطبيع العلاقات معه والتعايش السلمي ونبذ العنف او التفكير بمقاومته ، وأن يتحول من عدو الى صديق ومن مرفوض الى مقبول ومرحب به ومن ثم يمتطي صهوة الحمار ! ، وما زال الصراع قائما بشكل خفي او جلي بين هذه الشعب المستضعفة وبين حكامهم المستحمرين لقوى الاستكبار العالمي والمتمثلة اليوم بقيادة الولايات المتحدة الامريكية . وما بين النباهة والاستحمار مسافة طويلة تبدأ بالاستعمار بالقوة ثم توليد حالة القابلية ثم المراهنة على استحمار هذه الدول وارتهان سياساتها بسياسة المستعمر بشكل كامل وعلى أفضل ما يريد .
ما باتت دولنا عليه اليوم أكثر من هذا بكثير : انصاعت لسياسة المستعمر كراهية ثم طوعا ثم الان ترضى لنفسها دور المستحمر بفتح الميم بل وأكثر من هذا تدخل بيت الطاعة وتطلب الحماية وتدفع ثمن هذه الحماية فقط للمحافظة على ثبات الحكم واستقراره على مزاج الحاكم وهواه .. وعندما تشعر أو يشعرها حاميها ومالك استقرار عرشها ان هناك خطرا قادما فإنها على استعداد لدفع ما فوقها وما تحتها ، وتدخل نادي السباق مع من هم على نفس حالها .. يغيظها ان يسبقها أحد لكسب ود مولاها بل تتسابق مع غيرها على من هي أقرب لتحقيق مرضاته ونيل رضوانه وبركاته .
كل هذا لان قوام هذه الانظمة الشمولية وكلمة سرها هو راس الهرم ، الحاكم ومن حوله من طبقة مستفيدة ومنتفعة من هذا الحاكم ، بينما جسم الهرم لا اهمية له ولا دور له ، ولا يلعب اي دور حالة أرادت قوى الشر العالمية ان تزعزع استقرار هذا الحكم لأنه لا ينتمي له ولا ينتابه منه الا الضيق والكرب ودوما يتمنى الخلاص منه، وقوى الاستكبار تعلم ان هذه الانظمة لا تحميها شعوبها فتمارس على هذا الرأس ما يمارس على شعبه وتشكل له الحامي الوحيد لذلك لا بد من ان يدفع لها ثمن حمايتها واستمرار حكمها .. فترامب مثلا في سحبه لبقية الرصيد لا غنى دولة نفطية لم يكن بدعا من الامر، الفرق بينه وبين من سبقه ان هذا الاخير قد فعل ذلك علانية لأغراض الوفاء امام شعبه بما وعد به في حملته الانتخابية، بينما من سبقه فعلوا ذلك سرا وبطرق تحفظ لهم ماء وجوههم أمام شعوبهم، اليوم جفت هذه الوجوه من مياهها ولم تعد تستحيي لتفعل ما تشاء وانما ليُفعل بها ما يشاؤون.
كم دفعت غيرها من دولنا وكم هم مستعدون وجاهزون للدفع والمسارعة في دروب الطاعة ؟ إننا لو رسمنا المشهد العربي لوجدنا انفسنا أمام ماراثون من الاستحمار والمسارعة في كسب الود الامريكي بلا حدود وخارجة عن كل قواعد النباهة ، وخيارات الشعوب المستضعفة لصالح حكام رضوا لأنفسهم ان يكونوا مستحمرين .
وإن الحل المعروف هو فقط يكمن في اعادة الاعتبار لدور هذه الشعوب وللخروج من ربقة قابلية الاستعمار والاستحمار سواء كان ذلك من حكامها او ممن يستحمرون حكامها .