فلسطين أون لاين

​أين أنت يا أبي؟ .. طفلة الشهيد "الرنتيسي" لم تجد إلا صورة تجيبها

...
غزة - يحيى اليعقوبي

"أسألت عن قلبي وعيني ما لها؟ .. أمنت بالله العزيز فزادها؛ صبرا على البلوة فجفت مدمعي .. هذا وجهي ظل ساجدا لله شكرا باصطفاء احيمد .. من بين أبنائي الكرام الأربعة، والأم صابرة تودع ابنها، والأخت دامعة تصبر أمها، وأخوه مبتسم بنعمة ربه، شرف على شرف إزاء أحبة، وزوجة غلب الأسى عبراتها، وابنة بالمهد كان وداعها، والصحب ساروا على الأقدام في جنازة أحمد" بعض المواقف، المحطات، التجارب، تترك لنا أن نؤلف شعرا لمن نحب كما جرى مع والد الشهيد أحمد الرنتيسي (27 عاما) الذي كتب الأبيات السابقة بعد أن اكتوى قلبه بألم فراق نجله أحمد يوم الاثنين في 14 مايو خلال مشاركته في"مليونية العودة".

عندما جرى الإعلان عن مسيرة العودة في 30 أذار/ مارس الماضي، كان أحمد يحرص على اصطحاب والديه وزوجته وابنته إلى مخيمات العودة، وفي يوم 14 مايو (مليونية العودة) كان يتقدم الصفوف الأولى يحث الناس على التقدم.

في فجر الاثنين أخبر أحمد زوجته أنه يريد تقبيل ابنته، أخبرته أنها نائمة وكأنه حدس داخلي بقي مصرا "صحيها بدي أودعها وأقبلها" حتى انه التقط صورة معها وخرج صائما، وقال لصحبه كما أخبروا والده بعد ذلك: "إنني اليوم بإذن الله سأفطر مع الرسول وصحبه الكرام" ترى ما الذي جعل أحمد موقنا أنه سيتشهد!؟.

لا يوجد شخص في هذا العالم يمكن أن يحدثنا عن أحمد أكثر من والده محمود الرنتيسي، فيمر شهر رمضان الأول على غيابه عنهم فيه فقدت العائلة شيئا كبيرا، الجميع هنا يشعر بالفراق، لا أحد يجيب ابنته مريم (10 شهور) التي تبحث عن والدها في ارجاء البيت فلم تجد إلا صورة له تحاول ببراءة مناغشته، تقبيله، احتضانه، ولا تدري انها صورة لا تجيب ولا تسمع، لا تدري ان والدها اصبح ذكرى وغاب طيفه عن هذا البيت.

تهرب دمعة إلى خد والد الشهيد وهو يصف هذا المشهد المؤلم، "أنظر إلى حفيدتي مريم طوال اليوم بعد استشهاد والدها، أجدها تبحث هنا وهناك، تدقق النظر في صورة والدها، من نظراتها اشعر انها افتقدته، وكأنها تقول أين أنت يا أبي؟، لماذا لم تأت إلى اليوم؟"

ما يقوله والد أحمد مليء بالحزن الذي يكاد يقطر من صوته: "أحمد أحد أبنائي الأربعة، الأبناء يتفاوتون فمنهم من يحتاج إلى اللوم في العتاب ومنهم من يحتاج النظر، فلم يحتج أحمد حتى تلك النظرة طوال 27 عاما فكان طيبا هادئا خلوقا متفوقا وملتزما".

وها هو يعيد سرد سيرة نجله الذاتية: "أحمد أصغر أبنائي سنا، أنهى دراسة المحاسبة باللغة الانجليزية والتحق بدراسة الماجستير، تزوج قبل عامين ورزق بطفلة أسماها مريم، داوم على صيام الاثنين والخميس وكان كل يوم يوقظني لصلاة الفجر".

يجلس والد الشهيد ووالدته ذات يوم يتبادلان أطراف الحديث، بادر الزوج بالسؤال ..

- لو كان عندنا شهيد، بالك من سيختار الله ؟

استعرضت الأم صفات أبنائها الأربعة وأجابت

- لو أرد الله أن يتخذ شهيدا سيتخذ أحمد

"كنت أتوقع استشهاده منذ فترة لانه نشيط وعلى خلق واجتمعت فيه صفات الشهداء " امتزج الألم بالمرارة في كلام والد الشهيد، (ما أكثر شيء تركه أحمد يذكركم به؟) احتسى جرعة من صمت وأجاب وكأنه منع دموعه من الانسدال مرة اخرى: "ترك أحمد خلقه الذي سيذكرني به، حرصه على صلاة الجماعة ، في رمضان دائما يعتكف العشر الأواخر في مساجد هادئة وبعيدة ويكون هناك صداقات"

" سأفتقد ابتسامة عيناه، ترك مريم وهي قطعة منه ستذكرني به دائما، سأنظر إليه من عيون اصدقائه الذين سأراهم دائما ولن أرى ابني".

تعرض أحمد لحوادث كانت قد تكون سببا في استشهاده أو موته قبل ذلك، إحداها حينما كان في المرحلة الابتدائية، أصيب بشظايا أثناء مروره بجانب مقر جهاز "الأمن الوقائي" قرب مقبرة الشيخ رضوان، من أعماق الذاكرة يعود والده لتلك اللحظة: "حينها جاء لبيتنا على إسعاف ووجهه مليء بالدماء".

وقبل شهرين وهو عائد للبيت من عمله في المحاسبة في أكاديمية الأقصى العسكرية صدمته سيارة بشكل مباشر وأغمي عليه، وبلع لسانه، ويكمل "والده": "الذي نجاه أن ممرضا كان متواجدا بالمكان قام بإخراج اللسان، وعاد الينا سالما لينال الشهادة برصاص الاحتلال في 15 مايو/ أيار شرق غزة".