ما إن أعلن أحد الشبان عبر مكبرات الصوت في مخيم العودة شرق رفح جنوب قطاع غزة، أمس، عن وصول قائد حركة حماس في غزة يحيى السنوار، حتى التف حوله الجميع.
آلاف المتظاهرين في جمعة مستمرون رغم الحصار، اصطحبوا السنوار في مسيرة مهيبة نحو أقرب نقطة يمكن التقدم إليها نحو السياج الفاصل، حيث جنود الاحتلال وقناصته المنتشرون في ثكنات عسكرية وخلف التلال الرملية.
تارة يردد المتظاهرون هتافات تؤكد على حق العودة ويردد خلفهم السنوار، وتارة أخرى يطلق السنوار بحنجرته هتافات التحدي والصمود في وجه الاحتلال، ويردد خلفه المتظاهرون بصوت واحد.
يرفع السنوار بيده علم فلسطين وبالأخرى يُحيي المتظاهرين الثائرين، ثم يردد مرارا "يلي بتسأل إنتوا مين، احنا شعب الجبارين"، فيهتف الثائرون من خلفه.
يرد عليه أحدهم "دِب برِجلك طَلِّع نار احنا إلِّي خطفنا هدار" ويردد خلفه الشبان، إلى أن يمتشق دفة الحديث ثائر آخر ليقول بأعلى صوته: "يا قيادتنا الشريفة نقول لكم نحن شباب رفح وثوارها إننا خلف المقاومة وخلف القسام، سيروا على بركة الله ونحن خلفكم ومعكم بإذن الله"، لتصدح مع كلماته حناجر الشباب بالتكبير والتهليل.
ومع وصوله أرض مخيم العودة تسارع المواطنون صغارًا وكبارًا إلى مصافحة السنوار والتقاط الصور التذكارية برفقته، وعند مروره من أمام خيمة النساء، ألقى عليهن التحية وبدورهن صدحن بالتكبير، ورحبن برئيس حماس على أرض المخيم ومشاركته في فعاليات مسيرة العودة.
وما إن تسنى له النظر إلى طفل اعتلى خزان مياه، حتى صرخ الطفل "تقدموا وادخلوا واقتحموا ماذا تنتظرون؟"، فرد عليه السنوار: "سندخل إن شاء الله"، ومازحه ببعض الكلمات ثم مضى.
في سياق آخر، خصصت مجلة "إيكونوميست" البريطانية تقريرا للحديث عن السنوار، واصفة إياه "بالبراغماتي الشرس".
التقرير أشار إلى أن السنوار هو أكبر قيادي مؤثر في فلسطين، وقد تبنى السلام والمقاومة الشعبية، وقد تساءل التقرير عما إذا كانت حركة حماس ستتخلى عن "السكاكين والقنابل"، على حد تعبيرها.
وقالت المجلة إن "السنوار (56 عاما) أمضى شبابه كله في السجن، لكنه الآن هو أهم الشخصيات المؤثرة في الأراضي الفلسطينية، وفي 16 أيار/ مايو، وبعد يومين من المسيرات التي قتلت فيها قوات الاحتلال عشرات الفلسطينيين، تجمع الفلسطينيون أمام شاشات التلفزة للاستماع، لا لمحمود عباس أو حتى إسماعيل هنية، الزعيم الاسمي لحركة حماس "لمعرفة إن كان العنف سيدفع منطقتهم الخائفة لحرب جديدة أم لا، لكنهم كانوا يراقبون يحيى السنوار، قائد حركة حماس في غزة، الذي قد يمثل يوما ما الفلسطينيين كلهم"، بحسب التقرير.
وأفاد التقرير بأن "السنوار كان يتعرض لضغوط من أجل الانتقام للفلسطينيين الذين قتلهم الاحتلال، وكان رده عبر قناة (الجزيرة)، أن حركة حماس ستواصل المقاومة الشعبية، وكان إعلانا غير متوقع من حركة حماس، وما أثار الدهشة أكثر أن يعلنه السنوار".
ولفتت المجلة إلى أن السنوار ولد في مخيم خان يونس للاجئين، وكان من أوائل من انضموا إلى حركة حماس، وساعد على إنشاء الخلايا المسؤولة عن تحديد المتعاونين مع الاحتلال وقتلهم.
وذكر التقرير أن محكمة إسرائيلية حكمت في عام 1988 على السنوار بأربعة مؤبدات، وبقي في السجن لمدة عقدين، قبل أن تحصل النقطة المحورية عندما قررت (إسرائيل) التفاوض على تبادل الأسرى لتحرير الجندي جلعاد شاليط، الذي أسرته حركة حماس.
ونوهت المجلة إلى أن (إسرائيل) استخدمت السنوار وسيطا مع الحركة، التي طالبت بالإفراج عن 1000 معتقل مقابل تسليم شاليط، فيما رفضت بعض الأسماء على القائمة، وكان السنوار ليس واحدا منهم، وخرج حرا في عام 2011، وهو ما أدى إلى ندم الإسرائيليين بعدما أصبح السنوار أحد قادة الذراع العسكري لحركة حماس، كما قالت.
وتجد المجلة أن الأرضية التي جاء منها السنوار، وسنواته الطويلة في السجن، وتواضعه، هي عوامل منحته نفوذا داخل الكادر القيادي للحركة، إلا أن المحللين الإسرائيليين زعموا أنه سيعاني من مشكلات في حال بدأ يخوض في السياسة.
ويعلق التقرير قائلا: "كانوا مخطئين، فعندما انتخب المكتب السياسي لحركة حماس السنوار لإدارة غزة قبل عام، فإن الفلسطينيين والإسرائيليين تساءلوا عن طبيعة القائد، وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة غازي إزيكينوت إن انتخابه أزال الفرق بين الجناحين السياسي والعسكري، وخشي الإسرائيليون من الرجل الذي قضى سنوات في السجن، أن يتصرف بعدوانية وبطريقة متقلبة"، وفق التقرير.
ويورد التقرير نقلا عن السنوار، قوله في أول لقاء له مع صحافي هذا الشهر: "أخطر شيء هو فقدان الشباب الأمل في حياة كريمة"، لافتا إلى قول المحقق الإسرائيلي الذي حقق مع السنوار: "إنه طامح جدا".
وتقول المجلة: "يبدو السنوار قائدا أفضل من عباس المريض (82 عاما)، الذي قضى الأيام الماضية في المستشفى، بسبب التهاب رئوي، وصورته وهو يمشى في أروقة المستشفى بثياب الحمام هي تذكير بعدم أهميته، ولن يعترف العالم بحركة حماس حتى تنبذ (العنف)".
وتختم "إيكونوميست" تقريرها بالقول إن "السنوار راكم الكثير من المسؤوليات التي لم يحظَ بها أي زعيم، وعليه أن يقرر إلى أي مدى سيمضي في براغماتيته".

