فلسطين أون لاين

​أطفال محرومون التفكير: "على ماذا سنفطر اليوم؟"

...
غزة - هدى الدلو

حال مادي يرثى له، فلا ملامح له سوى الوجع والفقر، وضيق الحال، وقلة ما في اليد، هذا ما تلمسه في حياتهم، وبمجرد أن تحط قدمك _عزيزي القارئ_ بيتهم يلتبس عليك الأمر: أحل الليل مبكرًا وأسدل ستاره، أم أن ظلام البيت وعدم وجود نوافذ هما اللذان فعلا ذلك؟

لتصطدم فيما بعد ويزكم أنفك برائحة كريهة لا تقوى على تحملها بسبب عدم وجود مجرى صرف صحي في دورة المياه، وإذا تلاشيت كل ذلك فإنه حتمًا يواجهك الحر وارتفاع درجة الحرارة داخل البيت عن خارجه لأنه مسقوف بألواح "الزينجو"، هذا عدا الذباب والحشرات والقوارض التي لا تفارق مسكنهم.

عائلة المواطن (م. م) متكونة من 10 أفراد، انقطعت به السبل وبقي حبل الله موصولًا، وذلك بعد تردي الأوضاع في قطاع غزة، فقد كان يعمل في "الطوبار" قبل ثلاثة أعوام والحال مستور، ولسانه يلهج بالشكر لربه على ما أنعم عليه من رزق، ملبيًا به قوت أطفاله الصغار، ولكن حاليًّا بفعل سوء الأوضاع والحصار المفروض على غزة منذ عشرات السنوات أصبح عاطلًا عن العمل.

يجلس ذلك الرجل الستيني في البيت وقلبه يحترق على أبنائه، فيصم أذنيه عندما يسمعهم يشكون الحال الذي يعيشون لأمهم، أو يشتهون طعامًا، أو يحتاجون إلى مال لتلبية احتياجاتهم، ولكن ما في اليد حيلة، ولعل كثرة التفكير في حالهم وحال أبنائه، وكيفية قضاء كل يوم تطلع فيه الشمس أصابه بمرض ضغط الدم والسكري.

تقول الأم التي تدبر شئون بيتها وتسد حاجة أبنائها بأقل شيء: "عايشين على الصدقة، وولاد الخير الذين يشفقون علينا، فعلى باب الله أعيش أنا وعائلتي، نقضي يومنا على الخبز بالدقة، أو بواقي طبخة تبرعت بها إحدى جاراتي".

سوء الحال، وعدم وجود أي مؤشرات على تحسنه اضطراها إلى العمل خادمة في بيوت الناس، من أجل تلبية احتياجات بيتها وأبنائها، فتنظف وترتب وتجلي مقابل 20 شيكلًا في اليوم.

قبل بزوغ هلال شهر رمضان بيوم واحد فقط لم يكف أبناؤها عن سؤالها عن جلب مستلزمات السحور، يقول أحد أبنائها: "حتى نحن محرومون التفكير: على ماذا نريد أن نفطر؟، وماذا نطلب من أمي أن تصنع لنا على مائدة الإفطار كباقي الناس؟، بل ننتظر من يدق بابنا ليتبرع لنا بطعام الإفطار، وإلا ندبر أمرنا بأرز ناشف، أو خبز يابس".

أما طفلها الصغير ذو الأعوام الثلاثة الذي يعاني من أزمة صدرية يحتاج على إثرها لعلاجات دائمة وبخاخات فقد شاهد في يد ابن جيرانه فانوسًا رمضانيًّا، ولم يكف عن الطلب من والدته أن تشتري له واحدًا ليخرج للعب به.

تتابع الأم التي أضناها التفكير بكيفية تدبير أمورها: "أحار بماذا أفكر: الأبناء وتلبية طلباتهم، أم البيت وسد احتياجاته، أم كيفية سد الديون المتراكمة على كاهل زوجي التي تقدر بـ30 ألف شيكل، أم شراء الدواء لزوجي وطفلي؟!".

فكل مدة وأخرى على إثر الذمم المالية المقدمة ضد معيل الأسرة في المحاكم يحبس مدة شهر أو شهرين، "ليس بوسعنا فعل أي شيء؛ فانعدام فرص العمل من جهة، وتردي الأوضاع الاقتصادية في القطاع من جهة أخرى، وكل شيء يطبق على أنفاسنا" تضيف.

وعند سؤالها عن وضع البيت تجيب: "حدث ولا حرج، فكل مكان وزاوية فيه يحكيان معاناة وألمًا، فأولًا البيت مسقوف بألواح "الزينجو"، ومعاناته طيلة أيام السنة صيف شتاء، ففي الصيف الجو مثل النار، أقرب إلى الفرن، فلا نقوى على الجلوس في البيت في ظل عدم وجود مراوح كهربائية، أما في الشتاء فنعوم في البيت ويصبح أشبه بالبركة، هذا إلى جانب مياه الصرف الصحي التي تطفح لعدم وجود مجارٍ لها، والذباب الذي لا يفارقنا، عدا الفئران والقوارض".

وتبقى كلمة: "الحمد لله على كل حال، على هالحال وكل حال" تطفئ النار في صدورهم، وترضيهم بمرارة الأيام التي يعيشون.