فلسطين أون لاين

محمود العايدي "مسحراتي" بـ"عكّازين"

...
غزة/ فاطمة أبو حية:

كعادته في شهر رمضان منذ أربع سنوات انطلق "المسحراتي" يجوب أزقّة مخيم البريج، قبيل أذان الفجر، لكن "التسحير" هذا العام مختلف، فالشاب "محمود العايدي" أُصيب قبل أسبوعٍ واحد برصاص جنود الاحتلال في أثناء مشاركته في مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار.

التحرر من القيود

يقول العايدي (24 عامًا): "أُصبت في فخذي اليسرى في ذكرى النكبة، لم أتعافَ بعد، وبصعوبة أتمكن من المشي باستخدام عُكّازين".

ويضيف لـ"فلسطين": "أتطوع مسحراتيًّا في المخيم منذ أربع سنوات، وفي بداية رمضان الحالي لم أكن قادرًا على التسحير، فالإصابة كانت قبل بداية الشهر بيومين فقط".

يتابع: "أنا متعلقٌ بشدّة في عملي مسحراتيًّا، ولا أطيق التوقف عنه، لذا قررت أن أعود له في الليلة الرابعة من ليالي الشهر الفضيل".

العكازين كانا كالقيود للشاب المسحراتي، لذا كانت عودته إلى "التسحير" تحررًا من تلك القيود، فشعر براحة نفسية رغم كل الألم الجسدي الذي انتابه، كما يؤكد.

أسرة الشاب خشيت أن يتضرر من المشي على قدمه المُصابة، فحاولت منعه، يقول: "وقف والدي عند باب البيت ليمنعني من الخروج، لكنني صممت، فسمح لي، وكان يتصل بي عبر الهاتف النقال بين الحين والآخر، وعندما عدّت وجدته يجلس أمام البيت في انتظاري ليطمئن عليّ".

"شعرت أنني عدت إلى طبيعتي، وأن الإصابة لم توقف حياتي عند حدٍّ معين، هكذا أعيش رمضان وأجواءه، الآن أنا بخير وأشعر براحة نفسية" بهذه الكلمات غيّر العايدي رأي والده الذي حاول أن يثنيه عن تكرار التجربة.

يضيف: "عندما لمس والدي الراحة النفسية التي شعرت بها اقتنع أنني كنت على حق عندما قررت أن أعود إلى حياتي الطبيعية، وسمح لي بالخروج إلى التسحير في كل ليلة".

استقبال المخيم

يقطع المسحراتي مسافة طويلة مشيًا على قدميه، لكن ماذا لو كانت إحدى هاتين القدمين مصابة؟، كيف تكون الرحلة؟، يجيب العايدي: "أسير مرتكزًا على العكازين، وأحمل الطبل في الوقت نفسه، لذا كان الضغط على قدمي كبيرًا، تألمت كثيرًا، لكن إصراري على الاستمرار كان أكبر من كل الألم، حتى إنني نسيت الوجع".

في السنوات السابقة كان يُنهي رحلته ويعود إلى بيته قبل أذان الفجر، لكنه هذه المرة عاد بعد الأذان، ولاشك أن الإصابة هي السبب، إذ كان يمشي بوتيرة أبطأ، وكان يجلس بين حين وآخر عدة دقائق ليريح قدمه.

أراد العايدي أن يخرج إلى التسحير بمفرده، لكن عددًا من أصدقائه أصروا على مرافقته ليكونوا له "عكاكيزَ".

في الليلة الأولى من "التسحير" في رمضان الحالي ردد الأناشيد والابتهالات التي كان يرددها العام الماضي نفسها، لكنه يعكف على كتابة كلمات جديدة ذات طابع وطني، وتتعلق بمسيرة العودة.

في صبيحة اليوم التالي زاره طبيبٌ يتابع حالة الجرح، فأخبره أن لا ضرر من سيره إلى التسحير، لكنه نصحه بعدم حمل "الطبل" حتى لا يضغط أكثر على قدمه.

سكان المخيم الذين ألفوا صوت العايدي قبل فجر رمضان سعدوا بسماع صوته مجددًا، لكنهم خافوا على صحته، فمنهم من نصحه بالراحة في البيت وترك "التسحير" هذا العام، ومنهم من دعاه إلى الجلوس أمام بيته ليرتاح في أثناء رحلته، أما الأطفال فانطلقوا إلى الشارع ابتهاجًا بوجوده، والتقطوا الصور معه.

يقول العايدي: "صممت على التسحير رغم الإصابة لكي أبث الطمأنينة في أهل المخيم، وأرفع روحهم المعنوية، وأثبت لهم أن الحياة تمضي رغم كل الصعوبات التي نعانيها في قطاع غزة، والأهم من ذلك أنني أردت أن أوصل رسالة إلى الاحتلال مفادها أن الفلسطيني يواصل حياته، مهما عانى، وأن الأسلحة لن تثنيه".