فلسطين أون لاين

مصطفى: شيخي فلاح "شكرًا" غرسك قد أثمر

...
كتبت/ مريم الشوبكي:

كسرعة البرق تمضي الأيام تلو الأيام، وتمضي السنون بعد السنين، فما يزيد على تسعة عشر عامًا مرت على أول لقاء لي معه، وعلى أول درسٍ تلقيته على يديه، ونهلت من نهر علمه الدفّاق الذي لا ينضب.

كلما ارتقيت منبرًا أو وقفتُ واعظًا أو خطيبًا في الناس تذكرتُ ذاك المربي الحبيب، الذي وضعني على أول سلم الدعوة، عندما حباني من علمه وخُلقه، فكيف أنسى يوم كنت مصطفى القيشاوي التلميذ الذي تتلمذ على يد شيخنا الدكتور العزيز فلاح سعد الدلو، الذي كان يُعلّمنا مادة الخطابة في مدرسة الأوقاف الشرعية، ويغرس فينا حب الدعوة إلى الله؟!

ويسكب في أفئدتنا آيات الرحمن وشذرات السنة العطرة، ومآثر سلفنا الصالح وعلمائنا السابقين الذين اتبعوهم بإحسان، فيغرس غرسًا إيمانيًّا ليحصد هذا الغرس باصطحابه لنا إلى مساجد قطاع غزة من الشمال إلى الجنوب، مسجدًا مسجدًا، لنؤدي واجبنا الدعوي الذي تعلمناه من معلمنا ومربينا، الذي بدأ طريقه في الخطابة والوعظ في مساجد أوقاف غزة قبل ما يزيد على 35 عامًا، ليفيض علينا من خلاصة علمه وحكمته وخبرته الواسعة.

ذكريات رائعة عندما كنا فتيةً في مقتبل العمر، يُقدمنا شيخنا إلى المصلين في المساجد فيقول لهم قبل الصلاة: "جئناكم من مدرسة الأوقاف لنستمع معكم إلى تلاوة قرآنية من أحد الدعاة الصغار"، وبعد انتهاء الصلاة يُقدمني شيخي ويرفع معنوياتي ويُحفزني لألقي أول كلمات مسيرتي الدعوية أمام جمهرة من المصلين.

فكنت أنظر إليه وعلامات البِشر والسرور بادية على وجهه وهو يرى غرسه قد أثمر، وبدأ يؤتي حصاده، وكم كانت السعادة تغمرني حين أرى ثناء الناس على كلماتي الدعوية التي كانت على بساطتها لها وقع خاص في أسماع المصلين، لأنهم يستمعون إليها من فتىً صغير لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره.

إنني اليوم بعد مرور هذه السنوات الطويلة على بدء هذه الرحلة الدعوية، التي غرس بذرتها وسقاها الدكتور فلاح؛ كلما أُعجب أحد بخطبة أو موعظة من مواعظي رجعت بي الذاكرة إلى أول مرة وقفت فيها أمام الناس.

وأستشعر عِظم الفضل الذي أعطاني إياه شيخي ومعلمي عندما زرع فينا الفكر الدعوي الوسطي الجميل، الذي يُجمّع ولا يُفرّق، ويزرع الحب والود وينبذ العنف والكراهية، وينشر الود والأمل بين الناس، وأحسب أن كل كلمة أنطق بها اليوم للدكتور فلاح سهمٌ ونصيبٌ فيها، فهنيئًا لك يا معلمي هذا الأجر العظيم، وجزاك الله عني كل الخير.

لا أدري من أي أبواب الثناء أدخل، وبأي أبيات القصيد أعبر، كم بحثتُ عن كلماتٍ في قاموس الشكر والعرفان فلم أجد ما يُكافئ جميل صنعك، وعظيم أثرك يا معلمي، وأستاذي، وشيخي.

كلمات الثناء لا توفيك حقك، فإن قلت شكرًا فشكري لن يوفيكم، لقد سعيتم فكان السعي مشكورًا، إن جف حبري عن التعبير يكتبكم قلب به صفاء الحب تعبيرًا، ولكني أحسب أن صدق العبارات أبلغ في إيصال خلجات قلبي تجاه من علمني حب الدعوة إلى الله، وساندني حتى وصلت إلى ما أنا فيه الآن.

ولأنه من لا يشكر الناس لا يشكر الله من كل قلبي أقول: شكرًا د. فلاح.