فلسطين أون لاين

سوق "الشيخ رضوان".. بضائع مكدسة وجيوب فارغة

...
غزة/ نور الدين صالح:

حين دخول أول عتبة في سوق الشيخ رضوان وسط مدينة غزة تعلو أصوات البائعين من هنا وهناك، والبضائع والأصناف مكدسة في كل مكان، ولسان حال المواطن: "العين بصيرة واليد قصيرة والجيبة فارغة".

كان عوض عبد العال (38 عامًا) أحد باعة الخضراوات في السوق يقف خلف "بسطته" المكدسة بالخضراوات من مختلف الأنواع، ينتظر بصبر نافد قدوم المشترين، علّه يعوّض الخسارة التي لحقت به منذ بداية شهر رمضان.

ويخشى عبد العال أن يصيب بضاعته الكساد، ما يؤدي إلى تلفها، الأمر الذي يدفعه إلى بيعها بأقل من "رأس المال"، كما يقول لمراسل صحيفة "فلسطين".

يضيف: "إن البيع ضعيف جدًّا في رمضان هذا العام مقارنة بالأعوام الماضية، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيش فيها السكان، فضلًا عن أزمة الرواتب عمومًا والسلطة تحديدًا".

ويصف حركة البيع والشراء في هذا العام بـ"الضعيفة" في ظل إقبال المواطنين على شراء الخضراوات بكميات قليلة رغم انخفاض سعرها، مشيرًا إلى أن أزمة رواتب السلطة ضربت الأسواق "في مقتل"، على حد قوله.

جاره الآخر أبو محمد جبر (57 عامًا) صاحب محل لبيع المواد الغذائية والتموينية، يبعد عنه أقل من ثلاثة أمتار، يحدق بنظره في المواطنين يمينًا وشمالًا تارة، وفي بضاعته المكدسة تارة أخرى.

يقول جبر لمراسل "فلسطين" الذي أجرى جولة في سوق الشيخ رضوان: "إن هذا العام يختلف عن الأعوام السابقة كليًّا، من حيث توافر البضائع بكميات كبيرة مع ضعف إقبال المواطنين".

ويتحدث عن طبيعة حركة السوق منذ أول أيام رمضان: "أول يومين كان هناك حركة بيع وشراء قوية إلى حد ما، لبضائع رمضان"، مستدركًا: "لكن كان المواطنون يشترونها بكميات قليلة".

ويبيّن أن غالبية المواطنين الذين اعتادوا الشراء من عنده يلجئون إلى شراء البضائع بالدين ولا يدفعون ثمنها فورًا، الأمر الذي يراكم الديون على المواطنين، ويلقي بأضراره على البائع.

يضيف جبر: "إن السوق الآن تشهد حالة من الركود غير مسبوقة"، مُرجعًا سبب ذلك إلى عدم صرف رواتب للموظفين، خاصة موظفي السلطة، مطالبًا بصرف الرواتب قبل فوات الأوان و"انهيار الأسواق"، وفق تعبيره.

تنقلت كاميرا "فلسطين" بين أرجاء السوق أكثر، فلم يرتسم سوى مشهد اليأس على وجوه البائعين، والمواطنين الذين لا يشكّلون أعدادًا كبيرة.

علامات الحزن كانت ترتسم على تقاسيم وجه عبد الفراني صاحب "بسطة" الفواكه، إذ لا تكاد تجد من يقف عنده من المشترين، وعيناه تحدقان في بضاعته التي يخشى كسادها.

ويقول: "لم تعد الفواكه شيئًا أساسيًّا لدى المواطنين، وأصبح همهم توفير المستلزمات الأساسية، الأمر الذي يؤثر سلبًا على حركة البيع".

يقلب كفيه يمنى فوق يسرى، متسائلًا: "إلى متى سيبقى هذا الحال (...) الأسواق بلا مواطنين وحركة البيع ضعيفة جدًّا؟!".

ويأمل الفراني صرف رواتب الموظفين، التي تُعد أساس تنشيط حركة الأسواق، علّه يستطيع تعويض الخسائر التي لحقت به، نتيجة كساد بعض البضاعة خلال الأيام الماضية.

على الجانب الآخر كان المواطن أبو وسام عبد القادر (34 عامًا) يتجول في أرجاء السوق، ينظر هنا وهناك ووجه يتقطر من شدة عبوسه، محاولًا جلب المستلزمات الأساسية لعائلته، بأقل الأسعار.

واعتاد عبد القادر الذهاب إلى السوق شبه يومي طيلة أيام شهر رمضان، لجلب كل ما تحتاج له عائلته، لكن أحواله تغيرت في الوقت الراهن، ولم يعُد قادرًا على شراء الاحتياجات جميعًا سوى اللازمة والأساسية فقط، وفق قوله.

ويضيف _وهو أحد موظفي السلطة الذين طالتهم الخصومات الأخيرة_: "لم يعد الحال كما كان سابقًا، إذ لم أتقاضَ راتبي منذ قرابة الشهرين، الأمر الذي جعلني لا أستطيع جلب الاحتياجات جميعًا".

ويطالب رئيس السلطة الفلسطينية المنتهية ولايته محمود عباس بالإسراع بصرف رواتبهم كما موظفي الضفة، من أجل إنقاذ الوضع الاقتصادي الذي وصل إلى حافة الكارثة والانهيار.

أما المواطن أبو إياد (48 عامًا) _اكتفى بهذا الاسم_ فيؤكد أنه يعيش في ظروف معيشية قاسية جدًّا، كونه عاطلًا عن العمل في مهنته "الخياطة" منذ أكثر من 10 أعوام.

يقول بحرقة: "أعيل أسرتي من راتب الشؤون الاجتماعية الذي أتلقاه كل ثلاثة أشهر، ما يجعلني غير قادر على تلبية الاحتياجات جميعًا حتى الأساسية منها".

ويختم حديثه بعبارة: "رمضان شهر الخير، ونرجو الله أن تتحسن أحوالنا، ويفك الحصار الإسرائيلي عنا قريبًا".

وألقت الظروف الاقتصادية والمعيشية بتأثيراتها السلبية على الغزيين في مختلف مناحي الحياة، ما جعلهم غير قادرين على الإيفاء باحتياجات عوائلهم، لاسيّما في شهر رمضان المبارك.