فلسطين أون لاين

​عفوًا هنأتك عبر الإنترنت

...
مصطفى عفانة
غزة - نبيل سنونو

فور إعلان المفتي ثبوت هلال رمضان انهمرت "صافرات" الرسائل النصية، وتطبيقات التواصل الاجتماعي، دون توقف.

وراء ذلك الكثير من الحكايات التي يرويها غزيون، عن طبيعة التهاني التي يستقبلونها أو يرسلونها برمضان، سواء "إلكترونية" كانت أم غير ذلك.

1 تهنئة إلكترونية

"هل تولي اهتمامًا كبيرًا مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة لإرسال تهنئتك إلى الآخرين؟"، أنصت العشريني مصطفى عفانة لهذا السؤال، ولم يتردد أبدًا في إجابته الفورية: "لا والله ما بحبها، أنا لا أرسل إلى أحد تهنئة إلكترونية عبر موقع (فيس بوك)".

"لماذا؟"، يجيب عفانة الذي كان يجلس خلف مكتبه في محل لبيع الملابس: "من أره أقل له وجهًا لوجه: كل عام وأنت بخير، أشعر به ويشعر بي".

"في (فيس بوك) وتطبيق (واتساب) وغيره لدي الكثير من التهاني والصور التي تردني كل عام، لكنني لا أرد عليها، وأشعر أني لم أقدر التقدير المناسب، لذلك من يقول لي: "كل عام وأنت بخير" عبر الإنترنت لا أجيبه" يضيف الشاب.

"التقدير" الذي يتحدث عنه عفانة يلخصه بقوله: "أن يأتيني في بيتي، أو يتصل بي، أينما كنت، ليقول لي: "كل عام وأنت بخير"؛ فهذه مناسبة لا تتكرر إلا كل عام، وليس كل يوم".

يعتمد بعضٌ "الرسائل الجاهزة والمكررة" التي ترسل إلى عدد كبير من الأشخاص، لتهنئتهم برمضان، دون أن تكون الكلمات موجهة إلى كل شخص منهم على نحو خاص، وهو ما يراه عفانة "استسهال" التهنئة عبر الإنترنت.

سيشعر هذا الشاب "بالتقدير" _كما يقول_ لو هاتفه أحدهم أو هنأه عند رؤيته أكثر مما لو هنأه عبر مواقع التواصل، لاسيما إن كان نص التهنئة "نسخ لصق" من رسائل أخرى يتداولها الجميع.

في المقابل يحرص هو على زيارة أصدقائه، وفي حال لم يتمكن من ذلك يتصل بهم، أما أقرباؤه فيزورهم في بيوتهم، حتى لو كان منشغلًا.

آخر مرة أرسل عفانة فيها تهاني إلكترونية "كانت قبل مدة كبيرة"، أما الآن فهو يفعل ذلك نادرًا واضطراريًّا.

وقد يزور أحدهم أقرباءه فينشغل جميعهم بالهواتف المحمولة، عن ذلك يقول: "هذا خطأ، صار الإنسان معلقًا بالجوال، وإذا أراد أن يصبّح على أخيه في البيت نفسه يمكن أن يرسل إليه رسالة: "صباح الخير"، وينفصل عن الدنيا كلها، هذا يعود إلى التعود".

لذلك يعتقد عفانة أن التكنولوجيا يمكن أن تكون نعمة أو نقمة، مفسرًا: "يمكن استخدامها للترفيه، والتعليم، وغيرها، ويمكن أيضًا استخدامها خطأ".

2 "حلاوتها بلمتها"

"لا"، هي الجواب القاطع الذي قدمه مصطفى الريس (29 عامًا) عن سؤال: "هل تعتمد التهنئة الإلكترونية برمضان؟".

يفسر الريس إجابته في "دردشة" مع صحيفة "فلسطين": "لا أعتمدها، لكن يمكن أن أستخدمها لرفع عتب أناس يهمهم هذا الأمر، لكنني أفضل الزيارات وجهًا لوجه خصوصا في مثل هذه المناسبات".

يركز هذا الشاب في زياراته على الأقارب من الدرجة الأولى و"الأعزاء" عليه ومن يودهم ويودونه، كما يقول، أما الآخرون فيرسل إليهم تهاني عبر مواقع التواصل.

"لكن إذا أرسل إليه أحدهم تهنئة إلكترونية؛ فكيف سيتصرف؟"، يجيب: "شيء طبيعي، نحن اليوم في عصر "السوشيال ميديا" (الإعلام الاجتماعي)، لذا أجيبهم وأبادلهم التهاني"، مشيرًا إلى أنه يلتمس العذر للآخرين.

"هل تزور من يكتفي بتهنئتك إلكترونيًّا؟"، كانت إجابته: "حسب درجة القرابة بيني وبينه".

يقتبس الريس المقولة الشعبية: "حلاوتها في لمتها"، للدلالة على أهمية الالتقاء وجهًا لوجه في رمضان.

يضيف: "هل يستطيع الشخص ألا يرى أصحابه طيلة شهر رمضان؟!، وألا يذهب إلى بيوت أقاربه؟!، الأجواء في رمضان يجب أن نعيشها معهم، وليس بمفردنا".

"ماذا لو انشغل المضيفون بإرسال التهاني الإلكترونية عبر هواتفهم النقالة خلال وجودك؟"، يقول: "شيء طبيعي، بات أمرًا واقعًا استخدام الهواتف النقالة والإنترنت".

لكنه لم يخف أن ذلك يسبب له شيئًا من الإزعاج، قائلًا: "لا بيت يخلو من ذلك، وعندما تذهب إلى أهلك لا مفر من أن تستخدم جوالك، هذا جزء من الحياة".

في الوقت نفسه لا يرى ذلك أمرًا إيجابيًّا، لكنه بات "عادة" تسري في العروق مجرى الدم، كما يصف.

3 "أجيب ولكن"

"إذا اكتفى أحد أقربائك بتهنئتك إلكترونيًّا بشهر رمضان، فكيف سيكون تصرفك؟"، "أجيبه، ربما تكون لديه ظروف، لكن يمكن أن أنزعج إذا كان مقربًا، وفي الوقت نفسه أتعامل بإيجابية"، هذا هو رد الشاب أحمد الصوراني.

الصوراني يهنئ أقرباءه وأصدقاءه برمضان "وجهًا لوجه"، أما غير المقربين فيرسل إليهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كما يقول.

وبرأيه يستسهل بعضٌ إرسال التهنئة إلكترونيًّا، وهو أمر "عادي"، إذا كان يتعلق بغير المقربين، لكنه يلفت إلى "أن الأفضل أن تراهم وجهًا لوجه".

ويتمم عن طبيعة التأثير الذي تتركه مواقع التواصل الإلكترونية على العلاقات الاجتماعية: "لها تأثير في أحد وجوهه سلبي، أن بعضًا بات لا يزور الآخرين، واعتمدوا المراسلات عبر تلك المواقع حتى دون رؤية بعضهم بعضًا".

4 "زمان"

قديمًا لم تكن هناك مواقع تواصل اجتماعي، ولا هواتف نقالة، كيف كان الناس يتبادلون التهاني في رمضان؟

على فرش صغير تبيع الستينية "فاطمة" النعناع والجبن، في سوق الزاوية العتيقة بغزة، وتعود إلى الوراء عندما كانت طفلة لتجيب عن هذا السؤال:

"زمان (قديمًا) كنا قبل دخول رمضان نتوجه برفقة أمي وأبي إلى زيارة جدي وجدتي، ونكررها في اليوم الأول من الشهر، وكان الأقارب والأصدقاء يخصصون وقتًا ليزور بعضهم بعضًا في بيوتهم، أو أماكن عملهم".

ما رأي هذه السيدة بوسائل التواصل الاجتماعي؟، "لا مشكلة فيها، إذا كانت لإرسال التهاني، دون أن يعني ذلك استخدامها بديلًا عن الزيارات على أرض الواقع"، كما تقول.

وهي بذلك ترى أنه لا ينبغي لأحد أن يقول لآخر: "هنأتك عبر الإنترنت"، بل عليه أن يبادر إلى التعبير عن شوقه إلى زيارته وسماع صوته.

لا تزال توجه نصائحها إلى أبنائها: "أكثروا من زيارات الأقارب والأصدقاء، تبادلوا معهم الكلمات والمشاعر".