لا تخلو حياتنا اليومية من حدوث خلافات بين الأقارب والأصدقاء، والتي تحتاج في بعض الأحيان لمبادرة من أحد الأطراف للإقدام على خطوة ليتصالح من نشب بينهم خلاف أيًا كان سببه، وليس من السهل أن يبادر أي من المتخاصمين، لكن ثمة مواقف ومناسبات مُفرحة أو محزنة قد تُزيل الحاجز وتنهي اختلاف وجهات النظر من خلال مبادرة أي من الأطراف بمساندة الطرف الآخر في المناسبة التي تخصّه، لئلا يتخلى عنهم في الظروف التي يمر بها، فالعلاقة التي كانت قائمة فيما بينهم تحتم عليهم عدم تجاهل المناسبة كتفوق أو زفاف، أو وفاة أو مرض، وهو ما يظهر أصالة معدن الشخص ومدى تسامحه، بخلاف بعض الأشخاص الذين لا يمكنهم تجاوز الخلافات والمشاكل حتى في أشد المواقف صعوبة.
دعم ومساندة
"أم طلال" بمجرد أن سمعت أن سلفتها قد توفى والدها، وضعت الخلاف الذي نشب بينهما قبل عدة شهور خلف ظهرها، وأسرعت لتكون بجانبها في هذه المحنة ولتقدم لها العون والمساعدة، فتواسيها وتشاركها في تسيير أمور بيت العزاء.
وقالت: "في هذه اللحظات يجب على الإنسان أن ينسى كل شيء سيئ حدث، خاصة في الموت وفقدان شخص عزيز، ففي هذه الحالة يكون الإنسان في أشد الحاجة إلى قريب يقف إلى جانبه".
وأضافت: "نشب الخلاف بيني وبينها بسبب أطفالنا، وتدخلت كل منا للدفاع عن أبنائها، وتسبب ذلك في قطيعة، ومنذ ذلك الحين لم نرَ بعضنا البعض، ولم نتشارك في المناسبات والزيارات الاجتماعية، ولكن عند الوفاة والحزن لا مكان للخلافات".
وأوضحت "أم طلال" أنها شعرت بمدى حاجة سلفتها لها في مثل هذه اللحظات العصيبة والقاسية على النفس، فالموقف يحتاج لدعمها والوقوف بجانبها للتخفيف من ألمها.
بحفاوة وترحاب
الشاب عمر حامد وقع بينه وبين زميله في العمل خلاف بسبب عدم اتفاقهما على آليات إنجاز بعض المهام، وقد تسبب ذلك في قطيعة وصلت إلى حد تجنب كليهما لبعضهما البعض وعدم الحديث معًا، سوى رد السلام، أو مشاركة أحدهما للآخر في مناسباته الاجتماعية.
ولكن بعد حفل زفافه، فاجأه صديقه بزيارة عائلية مع زوجته لمباركة الزواج، ومشاركته فرحة عمره، فقدّر له هذا الموقف واستقبله بحفاوة كبيرة، وشكره على هذه المبادرة التي تدل على أنه لا يزال يحتفظ بالذكريات الجميلة التي جمعتهما، وأن الموقف الأخير بين طيب أصله، على حد قوله، مضيفا: "قدّر له هذا الموقف، والذي حتمًا رسم له شيئا كبيرا بداخلي، وأكّد على إيجابيته وسماحته".
تكافل اجتماعي
وفي السياق ذاته، قال الأخصائي الاجتماعي أحمد حمد: "تُعدّ المجاملات والمشاركة في المناسبات الاجتماعية ركيزة أساسية في الحياة، فهي تقوي الروابط وتزيد من المودة والمحبة، كما أنها من أنواع التكافل الاجتماعي التي تساهم في قوة المجتمع وصلابة علاقاته وتماسكها، ومن شأنها أن تزيل التشاحن والتباغض".
وأضاف لـ"فلسطين" أن بعض العادات والتقاليد المجتمعية تشجع على تقوية العلاقات، وهي كثيرة ومنها العودة من الحج، والنجاح في الثانوية العامة، والتخرج من الجامعة، والزواج، والشفاء من مرض، أو تقديم العزاء في وفاة شخص عزيز، ولكن كـل هذه المناسبات لا تُقام دون مشاركة ومساندة من الآخرين.
وتابع حمد: "في حال وجود مشكلة ما، تكون المناسبات الاجتماعية فرصة للحل، فإنه بمجرد مشاركة الشخص للمناسبة فعلى الأرجح ستزول الخلافات، وستختفي المشاعر السلبية من حقد وضغينة وغضب، وخاصة فيما يتعلق بالمواقف الحزينة التي تحتاج إلى مؤازرة وتكافل ودعم ومساندة".
وأشار إلى أن البعض في الخلافات يتذكر النقطة السوداء للشخص صاحب المناسبة بسبب الخلاف القائم، ويغفل عن المساحة البيضاء، لذلك لابد من البعد عن المبالغة والتهويل، بالإضافة إلى أخذ الأمور على بساطتها.
ونوه حمد إلى أن الشخص المبادر يكون قد اختصر على الشخص الآخر لحظة المواجهة التي تزيد الأمور تعقيدًا في بعض الأحيان، وهذا يعني أن مشاركته للآخر في مناسبته تدل على أنه يتمتع بقوة الشخصية، كما أنه مسامح وذو معدن أصيل، ويقدّر أهمية العلاقة الاجتماعية، ويثق بنفسه، ويتمتع بصحة نفسية عالية، ويشتري الآخرين بالمودة والحب والتقدير، كما أنه شخص إيجابي ومتفائل ولا يتأثر بالنقاط السلبية والخلافات البسيطة والشكلية، بل يتجاوز بعض الأمور ببساطة".
وبين حمد أن الشخص الآخر قد يدخل في حالة جلد ذات بسبب إصراره على الخلافات بينما الطرف الآخر من المشكلة قد تجاوز ذلك، وأنهى الموقف.
ولفت إلى أن مشاركة الآخرين في مناسباتهم الاجتماعية أمر ضروري ولا يمكن الاستغناء عنه، لأن الإنسان بطبعه اجتماعي ولا بد من علاقات قائمة لكي يشاركه الناس في أفراحه وأحزانه، كما يجب عليه أن يكون متسامحًا يعفو ويصفح ويتجاوز عن أخطاء الآخرين وزلاتهم.