فلسطين أون لاين

​الطبيب بين وقت العائلة وحياة المريض

...
غزة - نسمة حمتو

أشارت عقارب الساعة إلى السادسة والنصف مساءً موعد العودة للمنزل، ولكن اتصال من المشفى غير وجهته، فاستقل سيارته بسرعة، متجهًا صوب المريض، يا إلهي!، الوضع سيئ جدًّا، لم يستطع الأطباء منذ ساعة إيقاف حالة التشنج التي يعاني منها هذا الطفل.

محاولات عدة قام بها الطبيب حسام أبو صفية ليُعيد لهذا الطفل نبضه بشكل طبيعي، وبعد 45 دقيقة أمضاها على سرير الطفل يحاول علاجه استجابت الحالة بالفعل، هنا كانت بداية القصة.

إعادة الحياة

حاول الطبيب مرات عدة إعادة النبض لهذا الطفل، وقد كان صائمًا، لكن مع انشغاله بالحالة لم يتمكن من الابتعاد عنها، ولو دقيقة فقط، مضت 4 ساعات على العمل، وأذن للمغرب والعشاء، وهو يحاول التحقق من تحسن حالة الطفل، وبعد إنهاء عمله وتحققه من تحسن حالته عاد إلى منزله وعقله معلق بالطفل.

هذا المشهد تحديدًا يمر على الطبيب أبو صفية الحاصل على البرود الفلسطيني في طب الأطفال عشرات المرات، ولا يستطيع التأخر دقيقة عن مرضاه، فهو معلق بالحالات التي يُعالجها إلى درجة تواصله معهم على الهاتف بعد عودته إلى المنزل للاطمئنان على صحتهم.

قال أبو صفية: "كوني رئيس قسم الأطفال في مستشفى كمال عدوان يعني أني تحت الاستدعاء على مدار الساعة، وفي بعض الأحيان يتصل بي قبل الأذان بساعة أو بنصف ساعة، وأضطر إلى ترك عائلتي والذهاب إلى المستشفى"، مشيرًا إلى غضبهم منه أحيانًا ومحاولاته لخلق التبريرات.

الحالات الخطيرة

وأضاف: "بعض الحالات الخطيرة جدًّا كالصدمات العصبية لدى الأطفال، أو حدوث جفاف شديد، أو تسمم بالأدوية والمضادات الحشرية يجب التعامل معها بسرعة، وإلا فقد المريض حياته، وأيضًا تأخذ وقتًا طويلًا في علاجها، وأنتظر أحيانًا ما يزيد على 4 ساعات من أجل تحسن الحالة".

وتابع: "دائمًا أقول في نفسي إنني سأتمكن من العودة للمنزل ورؤية عائلتي، ولكن الشخص كذلك ترك عائلته وجاء ليعالج طفله، كلانا يسير في خندق واحد (...) قمة السعادة عندما أرى الطفل سليمًا معافى، وخرج من حالة الخطر التي كان فيها ويسير ويلعب أمامي".

ما يشغل بال أبو صفية أكثر أن الوقت ليس ملكه أبدًا، وهو يضطر في بعض الحالات إلى استدعاء أكثر من طبيب من أجل علاج الحالات غير المستقرة.

وقال: "أغلب حالات ما قبل المغرب تكون حرجة جدًّا، خاصة في شهر رمضان، أحيانًا لا أطلب ماء ولا أتناول أي طعام، وأضطر إلى شرب رشفة ماء وأنا على رأس المريض، وأعود بعد ساعات طويلة لأتناول الطعام في بيتي، ومع هذا كله أشعر بالسعادة وأنا عائد منتصر، أتممت عملي على أكمل وجه".

عائلة متفهمة

أضاف أبو صفية: "كوني طبيبًا لا أستطيع إغلاق هاتفي، ولو ساعة، عملي يتطلب الحضور في أي لحظة (...) كثرة تغيبي عن أطفالي أحيانًا تشعرهم بالانزعاج، وهم يتساءلون: (يوجد أطباء غيرك في المشفى، ويعودون إلى منازلهم، لماذا أنت دائمًا مشغول؟!)".

وتابع: "كوني الطبيب الوحيد الذي يستدعى من بين 29 طبيبًا في المستشفى، لخبرتي في التعامل مع الحالات الخطرة، باستمرار أكون دائمًا في الواجهة".

جمعات العائلة

الإحراج الأكبر هو اضطراره إلى الغياب عن جمعات العائلة، ويمل بعد محاولات عديدة لخلق تبريرات لمن لا يتفهمون طبيعة عمله، وتحل السعادة عليه عندما يجد من يشاركه في فرحته بإخراج مريض من الوضع الحرج إلى الاستقرار.

وقال أبو صفية: "دائمًا أتأمل قوله (تعالى): "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا"؛ فالله وضعني في هذا المكان، وعليّ أن أحافظ عليه جيدًا".