يفصل بين الأقصى وبيتي نصف ساعة من السفر بالسيارة إلا أن الأمر يستغرق أحد عشر شهرًا وأربع ساعات!!.. ذلك أن سلطات الاحتلال لا تسمح بزيارتي إلا في رمضان يوم الجمعة فقط وبعد تجاوز السن الخمسين، ولو حسبنا نسبة الوقت المسموح من الممنوع لكانت 1.09 %، هذا إذا تجاوزنا موضوع سن الخمسين.. ثم لننطلق ولنرى بأم أعيننا حرية العبادة: يصدمك بداية حاجز قلنديا حيث يحتم عليك ممارسة طقوس شعائرهم، تقوم ساعتين أو ثلاثة متعبدًا متبتلًا بين يدي هذا الذي يسمى معبرًا بينما هو مقهرة للرجال والنساء، وسترى كيف تفننوا فيه ووضعوا كل أحقادهم التي من شأنها أن تعرقل مسير القوافل الزاحفة نحو أقصاها.
تجدهم على هذا الحاجز اللعين يفصلون طفلًا عن أبيه بحجة أن هذا الولد لا ينطبق عليه دخول القدس، وتجدهم يسيرون الناس عبر دهاليز وممرات، لا يستطيع قاصد الأقصى أن يميل عنها قيد أنملة تمامًا كتسيير الغنم نحو حظائرها، ويخضع لعملية غربلة من نقطة تفتيش إلى أخرى، وترى من هم أقل منك سنًّا وقد أرجعوا بعد أن فرزتهم فرازتهم اللعينة، يفرح المسنون وهم يعبرون وتتفطر قلوبهم ألمًا على الجموع الحاشدة التي يتم إرجاعها.. ولأول مرة تجد المسن يشعر بالغبطة على سنه الذي أسعفه وكان واسطة له لدخول القدس.
وهناك على بوابات القدس تجد الحاجز والتفتيش ثم على بوابات الأقصى تجد العيون المتربصة مع التفتيش والسؤال عن الهوية. ولا تكاد تصدق نفسك بعد كل هذا العناء وهذه الطقوس التي تعري الواحد من كرامته ومن أي شعور بالحرية والتحرر قد ينتابه ويظن نفسه به أنه قد أصبح قادرًا للوصول إلى المسجد الأقصى فيرتد إليه بصره خاسئًا وهو حسير.
أعتقد أنه لا يوجد في العالم كله من تنصب له مثل أدوات القهر هذه وهو ذاهب على طريق معبدة. لماذا يفعل هذا الاحتلال كل هذا مع أناس سلميين لا يحملون سلاحا إلا قلوبهم التي تنشد الخير للبشرية جمعاء؟ هو ذات الاحتلال الذي يقتل على حدود غزة ويرتكب المجازر بحق مسيرات سلمية تنتظر حقها الضائع والمسلوب منذ سبعين عامًا.