لا شك أن مسيرة العودة مستمرة، بوتائر متفاوتة، منذ نحو شهر ونصف وقد حصدت لغاية الآن أكثر من مائة شهيدًا وآلاف الجرحى، لكنّها، رغم ذلك، لم تلق تجاوبًا بما يتلاءم وأماني "جيوشها" عند الشعوب العربية والإسلامية ولا بين جميع فئات المجتمع الفلسطيني لا سيما في الضفة الغربية المحتلة وفي الداخل المحتل، أعلنت الهيئة الوطنية العليا لمسيرة العودة النفير العام ودعت إلى المشاركة في الزحف الجماهيري والانطلاق في "مليونية العودة" وكسر الحصار على حدود قطاع غزة, ووجهت الدعوة كذلك إلى جميع فئات المجتمع الفلسطيني في كل أماكن تواجده، داخل وخارج فلسطين، للخروج في مسيرات ومظاهرات؛ كما وأهابت بكل الشعوب العربية والإسلامية وكل أحرار العالم " إلى استثمار طاقاتها وعشقها للقدس والأقصى لمساندة شعبنا الفلسطيني في مسيرته المليونية لتحقيق أهدافه وعلى رأسها تحرير الأرض والمقدسات وإنهاء الحصار الظالم المفروض على القطاع منذ 12 عامًا".
المحتل المصاب بحالة كبيرة من القلق والإرباك في كيفية التعامل مع مثل هذه المسيرات الشعبية الضخمة اجرب جميع الطرق والحيل والخطط والاسلحة والمعدات العسكرية وغير العسكرية ولم يفح حتى الآن في إيقافها رغم الإمكانات والمهولة من القوة التي يمتلكها.. فلقد سعى عبر القوة والقمع والتخويف والعقوبات لوقف مثل هذه المسيرات ولكنه فشل في ذلك، كما أنه حاول أيضاً صرف الأنظار عنها بافتعال مواجهات عسكرية مع سوريا وايران.. ولكن كل ذلك لم يفلح في وقف تلك المسيرات الشعبية.
فالاحتلال يفترض أن استعمال القوة المفرطة وايقاع أعداد كبيرة من الضحايا في الأرواح والجرحى بين صفوف المناضلين الفلسطينيين، سيؤدي إلى تراجع في همم الحشود الغاضبة وإلى ردع الجماهير الزاحفة، وذلك بهدي تجربتها في الأيام الأولى من الانتفاضة وفي اعتداءاتها المتكررة على غزة وعلى أنشطة المقاومة الشعبية في الضفة الغربية.
إن المعادلة بنظر قادته بسيطة وغير مكلفة يقتصر الأمر عندهم على نشر قناصة على طول الحدود مع القطاع لقتل المتظاهرين السلميين، لكن ربما سنشاهد ردة فعل غير مسبوقة في وحشيتها لصد مسيرات العودة المخطط لهذه الأيام كما في مجزرة الإثنين الماضي وقبله، فعلاوة على كونها وسائل قمع ناجعة وخطيرة يتوقع الاحتلال أن "يجبر" بواسطتها الفلسطينيين على تغيير نهجهم وتكتيكاتهم وتدفعهم بذلك إلى استبدال مقاومتهم الشعبية بمقاومة عسكرية ستضمن لها التفوق ميدانيًا والتذرع "أخلاقيًا" أمام العالم بأنها الضحية مرة أخرى، وما الفلسطينيون إلا مجرد "إرهابيين" يسعون لمحوها عن الوجود.
معظم المعطيات العالمية والإقليمية والعربية والإسلامية والفلسطينية ليست في صالح الغزيين، فباستثناء بعض مشاهد الإسناد المتواضعة في الضفة المحتلة وفي الأردن وفي بعض عواصم العالم سيبقى وعيهم الوطني وصبرهم المسؤول وحكمتهم الوازنة هي الضمانات لتسجيلهم نقطة مهمة في جولة من مواجهة شرسة ستشهد بعدها جولات عديدة.
وحتى تستمر مسيرة العودة إلى مبتغاه وهو حق العودة، يبقى الرهان كل الرهان على الحالة الشعبية الفلسطينية، فالجماهير التي زحفت بصدورها العارية مكللة بأكاليل العزة والكرامة من قطاع غزة نحو أراضي عام 1948، ومن لبنان والأردن لترجمة حق العودة، تؤكد على تمسك شعبنا بحقه التاريخي بالعودة الى أرضه مهما طال الزمن او قصر، وبأن صغار شعبنا لم ولن ينسوا هذا الحق.. مسيرات العودة التي جرت لثمانية أيام جمعة متواصلة من قطاع غزة نحو أراضي الـ -48 -، كانت إيجابية على شعبنا الفلسطيني، على الرغم من الأعداد الكبيرة جداً من الشهداء والجرحى، مسيرة العودة أسهمت وتسهم في ازدياد قوة وصلابة شعبنا، كما أنها تراكم نضوجاً وتجذراً في وعيه الجمعي أن حق العودة حي لم يمت، وما ثبت للاحتلال مخالف لكلام قادتهم؛ لأن الكبار والصغار رجالًا ونساء وأطفالًا وشبابًا جميعًا وقود للعودة.