فلسطين أون لاين

عدنان: "ذكريات" شكرًا لك

...
كتبت / أسماء صرصور:

"مكالمة لم يرد عليها من ذكريات؟!، سأعاود الاتصال بها لأعرف ماذا تريد".

عدنان: صباح الخير.. كيف حالك؟!

ذكريات: الحمد لله تمام.. تؤمر حبيبي بشي..

عدنان: وردتني مكالمة فائتة منكِ..

ذكريات: ما في شي بس حبيت اطمن..

انتهت المكالمة، ليترك د. عدنان أبو عامر –رئيس قسم العلوم السياسية والإعلام بجامعة الأمة، والباحث في الشؤون الإسرائيلية- الوقت الحاضر، ويعود إلى ما قبل أربعة وعشرين عامًا خلت، عمر مسيرته مع رفيقة دربه "ذكريات القطراوي".. مراسلة "فلسطين" استمعت لبعض محطات هذه المسيرة، وسردتها على لسانه..

في يوم من أواخر أيام انتفاضة الحجارة كنت سائرًا في الطريق مع صديقي "إياد" ابن مخيمي النصيرات وسط قطاع غزة، وإذ بفتاة جميلة تقول له: "إياد، خد بالك، الجيش -قوات الاحتلال الإسرائيلي- جاي، غيّر الطريق".

للحظة نسيت الخطر، لأسأل صديقي عن هذه الفتاة، ويخبرني أنها شقيقته "ذكريات"، وطُبعت صورتها واسمها في عقلي، وانسحبنا من المكان.

بعد مدة، سُجن "إياد" لدى الاحتلال الإسرائيلي وتوطدت علاقتي بعائلته تعويضًا لغيابه، إلى أن فاتحتني والدتي -رحمها الله- برغبتها بتزويجي، ولا زلت في أواخر سنة أولى جامعة، لكني تحت إلحاحها برغبتها لتفرح بي، وافقت، قائلا: "عليك المصاري، وعليّ العروس".

حصلت مشاورات في العائلة بين مد وجزر، تأييد ورفض، تخللها إعلان إضرابي عن الطعام لما يقارب عشرة أيام، إلى أن تمت الخطوبة، التي استمرت ثلاثة أشهر، كانت من أجمل أيام العمر، عشت مراهقتي الحقيقية مع "ذكريات"، التي حرمت منها في ظل الانتفاضة، عمي أبو إياد والد "ذكريات" كان يتفقد احتياجاتنا وطلباتنا، بعيدا عن "الحشرية" التي اعتاد عليها مع باقي "عدايلي"، وثق بي كثيرا وأحب "ذكريات" أكثر، أما أم إياد التي دأبت على الدعاء لابنتها أن أكون من نصيبها، فشعرت أن السماء كانت مفتوحة، واستجابت لها.

تزوجنا في غرفة بمنزل العائلة، وبعد زواجنا بخمسة أشهر، انتقلنا للعيش في بيت مستأجر، لتبادر العروس ببيع مصاغها مقدمًا لإيجار ستة أشهر، بينما كنت أنا الطالب الجامعي أحصل على شيكل واحد فقط عن كل ساعة عمل في مكتبة الجامعة، وأعمل في مركز لتحفيظ القرآن الكريم في نهاية اليوم، وفي وقت لاحق عملت في صحيفة الوطن المحلية بأربعمائة شيكل شهريا، حتى أنني لم أملك وقتا للدوام الجامعي كأي طالب، فكنت أقدم امتحاناتي النهائية في آخر الفصل الدراسي..

ومن المواقف التي أدين لكِ بها يا "ذكريات"، أني لم أملك وقتًا لكتابة أبحاثي، إضافة لرداءة خطي، فكنتِ من يكتبها، لأنك صاحبة الخط الجميل، إلى أن تخرجنا وانخرطنا سويًا في معركة العمل، كل في مجاله.

ولا زلت أذكر جيدًا كيف حصلت "ذكريات" على محبة والدي -كوني أحظى بحب كبير في قلبه-، فتخصصها الاقتصاد المنزلي، جعلها تفقه جيدًا كيف تخلب عقل رجل بعقلية "سي السيد" القديمة جدًا والمليئة بالجبروت.

كل "شطارة" "ذكريات" لم تغفر لها عند والدي ليضم صوته إلى والدتي، لأن رفيقة دربي لم تنجب سوى ابنًا ذكرًا واحدًا، هو محمد، إلى جانب خمس بنات متتاليات، نشوى وغادة ورغد ولمى ومنة الله، فكان الإلحاح منهما قويًا لأتزوج من تنجب لي ذكورًا، لكن هيهات هيهات، فقد كنت أدعو وما زلت "اللهم باعد بيني وبين الزواج الثاني كما باعدت بين المشرق والمغرب"..

وماذا عن سفري، أتذكرين والكل يحذرك حين نويت السفر لأكمل دراستي في سوريا، أنني سأعود وبيدي فتاة شامية، كون الرجال لا أمان لهم، لكنك كنتِ تؤكدين لهن جميعًا أني وعدتك بعودتي وحيدًا دون سواك، وأني لن أسامح نفسي لو "خنت" عقلانيتك الراجحة التي وثقت بي..

صحيح أنني في أواخر عهدي بالدراسة في دمشق الياسمين فاض بي الشوق كثيرًا إليكِ، وافتقدتكِ جدًا، لكن أتذكرين أيضًا، عندما عدت وحيدًا، وأصبحتِ تفاخرين الجميع بأني نفذت وعدي، ولم أتزوج أحدا من بنات حواء، رغم علمك برومانسيتي الجامحة..

سفري يا رفيقتي لم يرهق قلبك فقط، بل أخذتِ عن كاهلي كل مسؤولياتي تجاه عائلتي النووية والممتدة، المادية منها والمعنوية، ولم يشكو لسانكِ إطلاقًا، بل فعلت ذلك بكل حب واحترام.. تحملت معي "ذكريات" عصبيتي المفرطة، ومركزيتي الحادة، لكنها علمت أن غضبي سريع، ورضاي أسرع..

واليوم، بعد أن رست سفينة حياتنا على شاطئ الأمان، لا أذكر أنني قطعت أمرا إلا بالتشاور معها.. ونحن على أعتاب مرحلة انتظار الأحفاد بعد تزويج الأبناء.. "ذكريات" شكرًا لكِ..

عدنان