في غزة تتقدم النساء الصفوف، تزاحم النساء الشباب في المواجهة، يتقدمن، في مشهد ميداني لا يمتلك العقلاء إلا الوقوف له إجلالًا واحترامًا، إنهن نساء فلسطين، لهن وطن مغتصب، ولهن بيت يسكنه اليهودي الغازي، ولهن زوج شهيد أو جريح، إنهن يحتضن الابن والأخ والأمل، ويستنشقن الغاز وسط الجموع، يتقدمن، ويسهمن في إشعال الإطارات، بلا تردد أو وجل، وكأنهن الأشجار الباسقة التي يتفيأ تحت ظلالها عشاق الوطن.
من أراد التعرف على فلسطين، برجالها وشبابها وشيوخها وصباياها فليذهب إلى خطوط الهدنة، هنالك في مخيمات العودة، هنالك فلسطين، بقيادتها، وتاريخها، ومستقبلها، وواهم كل من يظن فلسطين مكاتب ووزارات ورئاسة وضباط أمن، فالذي يريد معرفة فلسطين وشخصياتها، عليه أن يفتش عنهم هنالك، في المواجهة، وسط الجموع، وفي قلب الحشود التي سالت دموعها معًا مع رشة الغاز، وخفق قلبها معًا مع صوت الطلق، وهتفت بصوت واحد، نحن عشاق الوطن.
في يوم فلسطين، في يوم العودة، في يوم التأكيد على أن القدس عربية، وأن رام الله عربية، وأن نابلس والخليل وجنين وسلفيت وبيت لحم بلاد عربية، في يوم الحشد العنيد على خطوط الهدنة، يوم الكرامة والشهداء والجرحى، لا مكان للجبناء والمترددين، في يوم فلسطين لا مكان إلا للعطاء والوفاء، ولا ترى على أرض فلسطين، هنالك في مخيمات العودة، هنالك لا ترى إلا أصحاب النخوة والهمة العالية، ولا ترى في المواجهة إلا أبناء فلسطين الأوفياء الشرفاء، لا ترى الخوار الضعيف المنتفع المتساقط خلف مصالحه وأهوائه، في يوم فلسطين لا ترى في مخيمات العودة إلا الصبايا الصابرات المرابطات، ولا ترى إلا الشباب الأوفياء للوطن فلسطين.
هنالك، على خطوط الهدنة الزائلة، وفي مواجهة الدبابات والمواقع الصهيونية، هنالك تطيب المواجهة، ويلذ التحدي، ويطيب لقاء الموت الذي يفر منه الجبناء، هنالك على خطوط الهدنة تتواصل انتفاضة العودة، ويتواصل الإصرار الفلسطيني على التمسك بحقه في العودة إلى وطنه، مهما كلف ذلك من ثمن، ومهما كلف من تضحية وفداء، دفاعًا عن الوطن فلسطين.
هنالك على خطوط الهدنة الزائلة ترنو العيون إلى رجال الضفة الغربية، إلى الرجال الذين حملوا لواء المقاومة على مر التاريخ، وترنوا العيون إلى فصائل المقاومة الذين أكد الدكتور خليل الحية على أن صبرهم على هذا العدوان لن يطول، وأن هذا العدو الذي تغول على الدم الفلسطيني، مستغلًا السلمية، سيجبر فصائل المقاومة على أخذ دورها، والدفاع عن الشعب الفلسطيني، وقضيته العادلة.