فلسطين أون لاين

عمر النايف.. قضية مغلقة "بترباس المصالح"

...
صورة أرشيفية
رام الله / غزة - أحمد المصري


مَن "قتل" عمر النايف في مقر السفارة الفلسطينية في بلغاريا في 26 فبراير 2016؟ سؤال تجزم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بأن إجابته هي "الموساد الإسرائيلي" مع تحميلها السلطات البلغارية مسؤولية عدم توفير الحماية اللازمة له، وكذلك سفارة السلطة "التي لم تقم باتخاذ الإجراءات اللازمة" لحماية هذا الأسير المحرر المُطارَد من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

وشهدت هذه القضية، التي حظيت باهتمام الرأي العام الفلسطيني، تطورات دراماتيكية انتهت بقرار بلغاري رفضته أرملة النايف.

ولا تقل الفصول والأحداث والمحطات التي سبقت ورافقت هذه العملية سخونة عن التساؤلات المحيطة بها، فالمناضل النايف استقر منذ 20 عامًا في العاصمة البلغارية صوفيا، بعد رحلة مطاردة طويلة خرج على إثرها من الأراضي المحتلة، عقب هروبه من سجنه، الذي أُسِر فيه إثر عملية فدائية قتل خلالها مستوطنا إسرائيليا.

وسلمت سفارة الاحتلال في بلغاريا في 15 ديسمبر/كانون الأول 2015 مذكرة لوزارة العدل البلغارية تطالب فيها بتسليمه باعتباره "هاربا من العدالة ومحكوما بالسجن المؤبد"، وعلى الفور طالبت النيابة البلغارية بوضع عمر بالحجز لمدة 72 ساعة الى حين اتخاذ القرار بالمحكمة السريعة لتقرير الاستجابة للطلب أم رفضه.

دفع القرار البلغاري النايف، إلى اللجوء إلى سفارة السلطة ببلغاريا، خاصة بعدما تلقى تهديدات بالقتل، وقد حذرت "الجبهة الشعبية" السفارة من الإقدام على تسليم النايف، وقالت في بيان لها "إن عمر لجأ للسفارة الفلسطينية باعتبارها الموقع الطبيعي والوحيد الذي يمكن أن يوفر له الحماية القانونية والسياسية".

ودار الحديث عن تعرض النايف طوال فترة إقامته داخل حرم السفارة لضغوط جمة للخروج منها.

وأكد كاشف النايف، شقيق الشهيد، لصحيفة "فلسطين" في تصريح سابق، أنه كان "هناك تواطؤ بين الخارجية والسفارة (الفلسطينيتين) للتضييق على الشهيد وتسليمه وربما إخراجه بالقوة".

وُجد النايف بعد 71 يومًا من مكوثه داخل سفارة السلطة مقتولاً، سرعان ما وجهت أصابع الاتهام إلى عناصر "الموساد" الإسرائيلي.

وذكرت مصادر رسمية فلسطينية أن جثة النايف عثر عليها بحديقة السفارة وليس داخلها، فيما قال سفير السلطة في بلغاريا، أحمد المذبوح، إنه عُثر على النايف مصابا داخل سيارة وفارق الحياة بعدما نقل إلى المستشفى.

أعلنت السلطة الفلسطينية تشكيل لجنة تحقيق لكشف ملابسات العملية، لكن العائلة أعلنت في الثالث من مارس الماضي، انسحابها من هذه اللجنة، مطالبة بإعادة تشكيل لجنة التحقيق على أسس مهنية متخصصة لمتابعة واستكمال التحقيقات التي تجريها السلطات البلغارية.

واتهمت العائلة، وكيل وزارة الخارجية في رام الله تيسير جرادات، رئيس لجنة التحقيق التي شكلها عباس، بأنه "غيَّر من صياغة النتائج التي توصلت إليها اللجنة"، كما طالبت الفصائل بالضغط على رئاسة السلطة لإقالة وزير الخارجية رياض المالكي والسفير المذبوح.

كما أن حمزة النايف شقيق الشهيد، أوضح في تصريح سابق لصحيفة "فلسطين"، أن لجنة التحقيق الجديدة التي شكلتها السلطة، "مع الأسف لم يكن دورها أكثر من دور سياحي"، معتبرا أنها لم تقم بأي دور "سوى الانتظار واعتماد التحقيق البلغاري".

وشككت عائلة النايف، بوجود تحقيق بلغاري جدي في قضية اغتيال عمر، موضحةً أن السلطات البلغارية سلمت السفير المذبوح، ملفات الاستماع لأشخاص قابلتها بشأن القضية، وليس نتائج تحقيقات.

وكشفت لصحيفة "فلسطين" في 31 مارس 2016 أنها متأكدة من تعرض عمر لعملية تسميم قبل اغتياله في مقر السفارة، لكنها أشارت في نفس الوقت، إلى أنها تنتظر تقرير السلطات البلغارية، متهمة الأخيرة بأنها "تماطل".

كما أكدت لصحيفة "فلسطين"، في أبريل 2016 أن السفير المذبوح، هدد بكشف وثائق بحوزته، تثبت أنه لم يكن يتصرف بمفرده، في كل ما يتعلق بموضوع ابنها عمر منذ لجوئه للسفارة في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2015".

وقال عضو المكتب السياسي "للشعبية" جميل مزهر، لصحيفة "فلسطين" في مارس 2016: "رد الجبهة سيكون بحجم جريمة الاغتيال ولن يتأخر، ودم الشهيد سيبقى دينا في أعناق رفاقه".

وكشف تحقيق استقصائي بثته قناة الجزيرة الفضائية مؤخرا، عن ثمانية أسماء فلسطينية لعبت دورًا غامضًا في قضية اغتيال "النايف"، أولها السفير المذبوح، وعدد من ضباط مخابرات السلطة الفلسطينية.

ماذا بعد؟

ويُذكر ما تعرض له الشهيد النايف، بجرائم "الموساد" الإسرائيلي ضد مناضلين فلسطينيين خارج فلسطين المحتلة، كان منها اغتيال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" محمود المبحوح في دبي، واغتيال القائد الثاني في حركة فتح خليل الوزير "أبو جهاد" في تونس.

لكن السلطات البلغارية التي لطالما اتهمتها عائلة النايف بـ"المماطلة" في التحقيق، أبلغت في ديسمبر/كانون الأول رسميا، أرملة النايف بأن الملف قد أغلق على أنه قضية انتحار وليس اغتيالا.

وعبَّرت رانيا النايف، "للجزيرة نت"، عن رفضها واستنكارها للقرار البلغاري، مؤكدة أن صوفيا تريد إخفاء جريمة الاغتيال والتستر على قتلة عمر.

وكان تحقيق أعدته قناة "الجزيرة" الفضائية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، كشف عن تقرير رسمي بلغاري لم ينشر، يسعى لإخراج قضية عمر على أنها انتحار رغم كل الأدلة والشواهد التي أثبتها التحقيق على عدم منطقية الانتحار ووجود آثار واضحة على أنها جريمة قتل تمت في حرم السفارة.

وسألت صحيفة "فلسطين"، أحمد النايف شقيق الشهيد، عن تطورات قضية شقيقه، وأجاب بأن من اغتال أخاه ذو بصمات واضحة فوق أي تصور، وهو الطرف المهم الذي لاحق شقيقه وأدى به في نهاية المطاف للجوء لمقر السفارة في بلغاريا.

وأوضح أن عائلته- قبل القرار البلغاري الأخير- كانت تتلقى تأكيدات على أن الملف ما زال مفتوحًا، وفي طور التحقيق، لكنه شدد على أن جميع الأطراف تسعى لإغلاق القضية وإماتتها.

واتهم السلطات البلغارية وسلطات الاحتلال والسلطة الفلسطينية، بأن لديهم مصالح متشابكة ومتلاقية في عدم الكشف عن القضية والعمل بقدر الإمكان على تسويفها أكبر قدر ممكن من الوقت؛ وفق تعبيره.

وتابع: "(إسرائيل) تريد اغلاق القضية واماتتها، وأن تقول إنها لا تقوم بعمليات اغتيال على الأرض الأوربية، والسلطات البلغارية تريد أن تقول إنه لا جرائم منظمة تقع على أراضيها، والسلطة هي الأخرى لا تريد أن تصل لفضيحة في بعثتها الدبلوماسية"؛ وفق تعبيره.

وأكد أن اللجنة الفلسطينية التي تم تشكيلها للتحقيق لم تقم حتى اللحظة بأي استماع لشهود أو حتى التحقيق مع موظفي السفارة الفلسطينية في بلغاريا.

ورغم القرار البلغاري، شدد على أن قضية شقيقه ستبقى مفتوحة ولن يلغها "أي تآمر سياسي"-وفق وصفه- مؤكدا أنه لو أجري تحقيق "وطني نزيه" فإنه سيشير بسهولة لجهة الاغتيال وطريقة التنفيذ.

ضمن ملحق تصدره صحيفة فلسطين حول أهم أحداث 2016 فلسطينيًا