هذه المرة تختلف، إذ تشكل النكبة الفلسطينية في ذكراها الـ70 وجعًا وألمًا يتفجر مع نقل سفارة أمريكا إلى القدس المحتلة، فصور نقل السفارة استخفاف واستهانة لا يحتملان، وصور العذاب والانتقاص من كرامة الإنسان الفلسطيني وحصاره وإذلاله باتت فوق طاقة الاحتمال، فالصبر له حدود.
بفضل وعي الفلسطينيين وتضحياتهم في غزة لم ينجح الاحتلال في كي وعيهم ويذوب قضية اللاجئين، بل عملت غزة على نقلها نقلة نوعية ومتقدمة بمسيرات العودة الكبرى، وإنها ما زالت حية وهي أساس القضية، ولا بديل عن حق العودة إلى عكا ويافا وحيفا وتل الربيع، والقضية هي فقط مسألة وقت.
ظن "ترامب" بخطوته غير المحسوبة النتائج كما ظن الاحتلال أن الآباء يموتون والأبناء ينسون، ولكن نقول له: إنه صحيح أن الآباء يموتون، ولكن الأبناء والأحفاد يواصلون مشوار حق العودة والتحرير، ومسيرات العودة تؤكد ذلك، ولا ينسى الفلسطينيون ما حل بوطنهم المنكوب، فراحوا يقلبون الطاولة على الطغاة المحتلين.
صحيح أن الاحتلال سيقمع مسيرات العودة الكبرى بتاريخ 14 وتاريخ 1552018م عند السياج الفاصل شرقي قطاع غزة، وقد يرتقي عشرات أو مئات الشهداء، لكن مهما ارتقى شهداء فإن الخاسر هو الاحتلال لاحقًا كونه ظالمًا ومحتلًّا وغاصبًا، والاحتلال قوي بمعداته وآلياته وغطرسته، لكنه ضعيف بمنطقه وبأخلاقه، ولا يملك قوة فكرية وأخلاقية تبقيه على الأرض الفلسطينية، لذلك يسعى إلى إطالة عمر احتلاله بالبطش والظلم، وفرض الوقائع على الأرض، متصورًا أن القوة هي كل شيء.
كيف يتحمل الفلسطيني تهويد القدس المحتلة التي رويت بدماء الشهداء، وتهويد الضفة الغربية، وحصار غزة الخانق، والموت ببطء، وملاحقة الفلسطيني أينما حل وارتحل في دول العالم؟!، إذ بات الوجع والألم واحدًا للفلسطينيين أينما حلوا وارتحلوا وشتتوا في المنافي.
النكبة ليست فقط من قبل الاحتلال، فمقاومة ثقافة وفكر الهزيمة ومروجيها صارت ملحة بعد70 عامًا من النكبة، وهذا أمر ضروري ولا يقل أهمية عن مقاومة المحتل، ولابد من فضح وكشف كل من لا يريد خيرًا بالشعب الفلسطيني.
للمنهزمين نفسيًّا: مسيرات العودة الكبرى قادرة على تحقيق نتائج مشرفة، فمن كان يظن يومًا أن الفلسطينيين سينجحون يومًا ما، في دك أقوى حصون الاحتلال وقلب دولته بالصواريخ، وإجباره على هدم 22 مستوطنة في غزة؟!
"ترامب" ومن خلفه "نتنياهو" يقولان للفلسطينيين: "ستبقون تجترون مآسيكم ما دامت يدنا هي العليا، ولن ينفعكم البكاء ولا العويل ولا الذكريات الأليمة، وسننقل السفارة، وسنواصل تهويد القدس وطرد سكانها، وتهويد الضفة الغربية وبناء المزيد من المستوطنات، وسنجدد نكبتكم ونجعلها نكبات متتالية، فالقوة معنا وأنتم الضعفاء".
الشعوب الحية المثابرة، صاحبة الحق لا يمكن لها أن تنسى أو تغفر لمن شتتها وأجرم بحقها، وبريطانيا أخطأت وأجرمت، وعلى من أخطأ أن يكفر عن خطئه، بتعويض اللاجئين، والعمل على إعادتهم إلى وطنهم، وأن يبادر إلى ذلك من تلقاء نفسه، وإلا فإن الحساب قادم، طال زمنه أو قصر.
عذابات اللاجئين تتجدد في الضفة وغزة والقدس والـ 48 والشتات، وحال الاحتلال الغاشم أنه لم يكتفِ بما أحله باللاجئين قبل 70عامًا من قتل للأطفال، واغتصاب للنساء، وتدمير للبيوت على رؤوس أصحابها، بل يريد ألا يراهم على وجه البسيطة.
التبدل سنة كونية مستمرة، فقد نجحت دول الغرب في زرع دولة الاحتلال في قلب العالم العربي والإسلامي، كي تبقيه في حال استنزاف لتعطل نموه وتطوره، بالمقابل بعد 70 عامًا باتت دولة الاحتلال عبئًا على الغرب بفعل سياساتها العدوانية وقرعها المتواصل للحروب، بل صارت عبئًا على الأمن القومي الأمريكي نفسه، مع أن "ترامب" يدعمها بكل ما أوتي من قوة كونها قاعدة متقدمة للغرب في قلب العرب والمسلمين.
اللاجئون ومعهم الشعب الفلسطيني وأحرار العالم يملكون قوة الحق بالعودة، وتنقصهم القوة المادية في المرحلة الحالية، لذا هم سيعودون، فالحق معهم، والقوة تتبدل ولا تدوم حتى النهاية، والعودة باتت أقرب، بفعل تحولات وتغييرات إقليمية وعالمية.
يغير الاحتلال أسماء القرى والمدن ويزرع المستوطنات، كما نادى مؤتمر بازل الملعون في سويسرا عام 1897م، لكن ما حققه الاحتلال من إنجازات هي وهمية، وما هي إلا سحابة صيف سرعان ما تزول وتتلاشى وتتبدد، وتاريخ 1552018م سيكون فارقًا، وبداية تهاوي حصون "بني إسرائيل".