فلسطين أون لاين

​انتفاضة القدس تسدد ضرباتها القاضية

...
صورة أرشيفية
رام الله - حازم الحلو

مع بداية 2016، كانت انتفاضة القدس قد أتمت شهرين من عمرها، وبرزت حينها تساؤلات مهمة حول ديمومتها واستمرارها، وتوقع البعض – بمن فيهم قادة الاحتلال- أن لا تستمر طويلا، بل جرى وصفها بأنها "سحابة نضال عابرة".

وبمرور الشهور وتوالي الأيام، كانت الانتفاضة تدخل طورا بعد طور، وبدا أن اعتقاد الاحتلال بخفوتها لم يكن سوى أضغاث أحلام في ليلة صيفية جافة، لتعبر الانتفاضة عامها الثاني وهي تحمل محطات نضالية جديرة بالوقوف عندها.

ولم تكن العملية الفدائية- على سبيل المثال- التي نفذها الشهيد مصباح أبو صبيح، شرقي القدس المحتلة، في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول، حدثًا عابرًا، بما أدت إليه، رغم الإجراءات الأمنية المشددة للاحتلال الإسرائيلي، من مقتل إسرائيليين من خلال إطلاق الرصاص قبل أن يستشهد المنفذ بنيران الاحتلال.

وقطعت هذه العملية، الطريق على مزاعم وزيري جيش الاحتلال السابق موشيه يعلون، والحالي أفيغدور ليبرمان، عن قدرتهما على التصدي للعمليات الفدائية الفلسطينية.

وعقب هذه العملية، نفذ فدائيون عمليات عدة، كان منها عملية دهس على حاجز "الزعيم" العسكري شرقي القدس المحتلة، في 13 من أكتوبر/تشرين الأول، وإصابة جندي إسرائيلي طعنا في عملية نفذها شاب قرب بلدة قطنة شمال غرب القدس المحتلة.

وانتفاضة القدس، اندلعت مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2015، بهدف إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وحماية المقدسات، لا سيما المسجد الأقصى المبارك.

ونفذ أحد عناصر الأمن التابع للسلطة في الضفة، محمد تركمان، خلال 2016، عملية إطلاق نار على حاجز قرب مستوطنة "بيت إيل" شمال شرق مدينة رام الله في الضفة الغربية، وأدت إلى استشهاد المنفذ، وإصابة ثلاثة جنود إسرائيليين، وصفت جراح أحدهم بالبالغة.

وخاض الشهيد محمد جبارة الفقيه، في يوليو/تموز، اشتباكا مسلحا مع جيش الاحتلال في بلدة صوريف في الخليل جنوب الضفة الغربية، استمر سبع ساعات، وكان الشهيد قد نفذ عملية فدائية تمثلت بإطلاق النار بالقرب من مستوطنة "عتنائيل"، وقتل فيها حاخامًا إسرائيليًا وأصاب آخرين.

وقتل أربعة إسرائيليين وأصيب 16 آخرون جراح بعضهم في حال الخطر الشديد، في الثامن من يونيو/حزيران، في عملية إطلاق نار مزدوجة وقعت قرب مقر وزارة جيش الاحتلال وسط (تل أبيب)، نفذها شابان اعتقلهما الاحتلال بعد إصابتهما وهما: محمد أحمد موسى مخامرة، وخالد محمد موسى مخامرة (21 عامًا) من يطا في الخليل.

وأصيب 21 إسرائيليا بجراح متفاوتة في 18 أبريل/نيسان، إثر انفجار عبوة داخل حافلة إسرائيلية في القدس المحتلة، ووصفت جراح اثنين من المصابين بالبالغة و7 متوسطة والباقي طفيفة، فيما استشهد منفذها الشاب عبد الحميد أبو سرور من مخيم عايدة ببيت لحم.

وقتل إسرائيلي وأصيب 10 آخرون منهم ستة بحالة خطرة، في الثامن من مارس/آذار، بعملية طعن بمنطقة ميناء مدينة يافا الساحلية، نفذها الشهيد بشار مصالحة (22عامًا)، من قرية حجة، الواقعة بين نابلس وقلقيلية.

وفي الثالث من فبراير/شباط استشهد ثلاثة شبان فلسطينيون بعد تنفيذهم عملية طعن وإطلاق نار بمنطقة باب العامود بالقدس المحتلة، قتلوا خلالها مجندة إسرائيلية وأصابوا أخرى بجراح بالغة الخطورة.

وأصيب ثلاثة جنود من جيش الاحتلال بجراح متفاوتة، في 31 يناير/كانون الثاني، بعملية إطلاق نار قرب حاجز "بيت إيل" شمال البيرة، نفذها الشهيد أمجد سكري أحد عناصر الشرطة التابعة للسلطة الفلسطينية، وهو من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة.

ونفذ الشهيد نشأت ملحم عملية "ديزنغوف" في (تل أبيب)، في الأول من يناير/كانون الثاني، التي قتل خلالها إسرائيليَين وأصاب سبعة آخرين.

ويُقدَّر عدد الشهداء الفلسطينيين خلال 2016، حتى الثلث الأول من ديسمبر/كانون الأول، 122 شهيدًا.

وواجه الاحتلال الإسرائيلي عمليات الانتفاضة باحتجاز جثامين الشهداء، وهدم البيوت، والإعدامات الميدانية، ومن ذلك رصاصات الاحتلال التي اخترقت جسد الشابة رحيق البيراوي (19 عاما) قرب حاجز زعترة العسكري جنوب نابلس في الضفة الغربية المحتلة، في أكتوبر/تشرين الأول.

"لا يمكن أن تنتهي"

ويؤكد المحلل السياسي د. عادل سمارة، أن انتفاضة القدس تعبر عن روح نضالية متأصلة في الشعب الفلسطيني لا يمكن ان تنتهي تماما وان كانت تعتريها فترات خفوت وضعف.

ويوضح لصحيفة "فلسطين"، أن مسار الانتفاضة خلال 2016، شهد تغيرا في الموقف الرسمي للسلطة الفلسطينية، مفسرا بأنها كانت في البداية تتعامل "بإنكار" مع مستجدات الانتفاضة، الا أنها ومع تصاعد الفعل الثوري أبدت عدم رضاها عن مسار الانتفاضة والأحداث التي دارت في فلكه.

ويبين ان الطابع الذي صبغ الانتفاضة كان شعبيا واستمر كذلك إلى حد كبير خلال 2016، معتبرا أن ذلك الطابع ساهم في الحفاظ على صيرورة المبادرات الفردية من خلال بعض العمليات التي أوجعت الاحتلال.

وينبٍه الى أن سلطات الاحتلال عانت من حالة من التخبط و الهلع نتيجة بعض العمليات الفردية التي أربكتها مثل حالات الدهس و الطعن وما لحقها من حالات قنص وغيرها، بحيث أصبحت تتلقى الضربات المتنوعة بالكيفية والتوزيع الجغرافي مما أربك التعامل معها.

ويلفت إلى أن تركيز الفعل النضالي على المستوى الشعبي جعل من الصعب على الاحتلال ان يقوم بتحجيم الانتفاضة عبر اعتقال قادتها أو قتل وجوهها الإعلامية.

وبشأن استمرار جيش الاحتلال في الإعدامات الميدانية والاعتداءات ضد الفلسطينيين، فإن ذلك من شأنه- والكلام لسمارة- أن يدفع الفلسطينيين للصعود درجة في سلم العمل النضالي.

وينوه إلى أن صمود الشعب الفلسطيني عنوان هذه المرحلة وسيبقى مستمرا في انتفاضته، طالما بقي الاحتلال يتمادى بإجراءاته القمعية ضدهم والمتمثلة بعمليات القتل والإعدام الميداني للنساء والأطفال على مرأى العالم وهدمه للمنازل؛ لافتا إلى أن الشعب الفلسطيني وصل لمرحلة لن يقبل من خلالها التعايش مع الاحتلال.

وعن توقعات مسار الانتفاضة خلال الأعوام المقبلة، يرى أنه "من المستحيل تقريبا" توقع ما سيحدث، مؤكدا في الوقت ذاته أن الظروف الموضوعية والواقع هما من يصنعان شكل وطريقة المواجهة المقبلة مع الاحتلال والتي ربما تكون امتدادا لانتفاضة القدس أو موجة نضالية جديدة؛ وفق تعبيره.

أما المحلل السياسي سامر عنبتاوي فيؤكد أن الشكل الذي اتخذته انتفاضة القدس من ناحية أنها بدأت بعمليات فردية وتحت طابع شعبي، أسهم إلى حد كبير في استمرارها وصعوبة القضاء عليها في أيام أو أسابيع كما توعد بذلك قادة الاحتلال.

ويشير في حديث مع صحيفة "فلسطين"، إلى أن الاحتلال ظن أن الأحداث الإقليمية سوف تساعد في إشغال الفلسطينيين والتفاتهم عن قضاياهم الأساسية، بيد أن تعاظم الانتفاضة وما أظهره فتية الضفة والقدس أكد أن الظنون التي ظُنت بالفلسطيني لم تكن سوى أمنيات للاحتلال لم تتحقق.

ويشدد على أن هذه التطورات تمثل رد فعل طبيعي شعبي على جرائم الاحتلال ومستوطنيه مع إبقاء الاحتمالات مفتوحة بأن تشهد الفترة المقبلة مزيدًا من التصعيد من جانب الاحتلال، يقابله ردة فعل فلسطينية أقوى وأوسع.

ويوضح عنبتاوي، أن بعض العمليات الفردية شهدت تخطيطا عاليا وأدت إلى نتائج موجعة للاحتلال والمستوطنين، معبرا عن اعتقاده "أن الفصائل الفلسطينية لم تخض غمار الانتفاضة بشكل منظم وعلني وواضح لاعتبارات كثيرة"؛ وفق قوله.

ويؤكد أن الشعب الفلسطيني ينظر إلى الانتفاضة على أنها ضريبة لا بد و أن تُدفع في سبيل الحرية، وأن المعاناة جراء الاحتلال تعطي الدافع لتقديم أعلى التضحيات للخلاص منه.

وبشأن مخاوف مراقبين من إمكانية خفوت الانتفاضة، يختم بأن الاحتلال قد يربح بعض الجولات وقد يستفيد من المتغيرات الدولية والأحداث الإقليمية، ولكن كل ذلك مرحلي و لن يستمر للأبد، ولن تكون نتائج الصراع بأي حال من الأحوال في صالح الاحتلال.


ضمن ملحق تصدره صحيفة فلسطين حول أهم أحداث 2016 فلسطينيًا