فلسطين أون لاين

​وحدة "قص السلك".. جولات كرٍ وفرٍ لا تهدأ

...
غزة - مريم الشوبكي

شباب يركضون تارة نحو الشرق وتارة أخرى نحو الغرب حاملين "قطّاعةً" و"حبلًا" بالقرب من السياج الفاصل على الحدود الشرقية لمدينة غزة، ومركبة إسرائيلية لا تنفك عن ملاحقتهم أينما اتجهوا لمنعهم من قص السلك الذي يعيد الاحتلال وضعه في منتصف الأسبوع، لأن الثائرين يتمكنون من قطعه في كل جمعة.

هذا المشهد لا يمكن أن تراه إلا إذا وقفت على التلة المحاذية للسلك الشائك في "موقع ملكة"، حينها ستعرف أن أولئك الشباب من "فدائيي الصفوف الأولى"، ويطلقون على مجموعتهم اسم "وحدة قص السلك"، لكن اسمهم ليس جامعًا لكل ما يفعلونه، فثمة مهام أخرى يقومون بها غير القص.

كوفية بلون موحد

وأثناء إجراء "فلسطين" حوارًا مع أفراد هذه الوحدة، والآتي ذكرهم بأسماء مستعارة، كانت أصوات إطلاق الرصاص تبدو واضحة بين فينة وأخرى، وكذلك دخان قنابل الغاز المسيل للدموع، ردًّا على اقتراب بعض الشباب للسلك الشائك وقصه.

أبو ياسر (31 عاما) أحد أفراد هذه الوحدة، كان يمسك "قطاعة" وهو يقول لـ"فلسطين": "في أيام الجمعة، يقص الشباب أجزاء من السلك الشائك ويسحبونه، ثم يبدأ الاحتلال في منتصف الأسبوع بإعادة تركيب السلك، وذلك استعدادا لمواجهات الجمعة التي تليها ومنعهم من اجتيازه".

ويضيف: "نشكل معًا وحدة قص السلك، وينضوي تحتها وحدة الكاوتشوك ووحدة الغاز والمنقذين، وتضم قرابة 50 شخصا، يظهرون كلهم ملثمين بكوفية بلون موحد، وتتعدد مهامهم ما بين إلقاء الحجارة على الجنود، وإشعال الإطارات، واسعاف المصابين، والمهمة الجديدة قص السلك".

ويوضح أن أفراد هذه الوحدة يكونون موجودين يوميا على الحدود، ويبدؤون عملهم باستطلاع المكان والأعمال التي يجريها الاحتلال فيه.

ويشير إلى أن مهمة قص السلك تُوكل يوم الجمعة لأفراد هذه المجموعة، حيث يقومون بقص جزء كبير منه، ثم سحبه، وفي سائر أيام الأسبوع يقومون بإعادة تركيب ووصل أجزائه، وهنا يبدأ (قصاصو السلك) بجولات كر وفر مع جنود الاحتلال حتى يتمكنوا من قص جزءٍ منه.

لربما يتعجب البعض من جرأة هؤلاء الشباب ووقوفهم في نقطة الصفر، وعدم خوفهم من رصاص الاحتلال الذي قد يودي بحياتهم، وعن ذلك يؤكد أبو ياسر: "بالعكس، أجد متعة كبيرة بما أفعله، ولا يعرف الخوف طريقا إلى قلبي، فخوفي على وطني هو ما يدفعني للدفاع عنه".

يجهزون الأدوات

أما أبو يزن (25 عامًا) فيشير نحو إصبع يده الذي فُتح جرحه مجددا، ذلك الجرح الذي أُصيب به في جمعة العمال إثر مشاركته في سحب السلك، يقول: "منذ أن وُلدت، وجدت نفسي في هذا المكان، فبيتي لا يبعد سوى أمتار قليلة عن الحدود، عيني اعتادت على رؤية الجنود، وأذني كذلك اعتادت على سماع صوت إطلاق النار والقذائف".

ويضيف: "أُصبت في بطني في العام 2016، واليوم أشارك في مسيرة العودة كل يوم، وتعرضت لبعض الإصابات الطفيفة في قدمي، ورغم ذلك لم أتخلف يوما عن القدوم إلى الحدود".

ويذكر أبو يزن أنه أحد أفراد وحدة قص السلك الذين يكونون في الصفوف الأولى يوم الجمعة، حيث يجتمعون من ساعات الصباح الأولى يجهزون الأدوات التي سيستخدمونها من "قطاعات" وحبال، وكذلك حجارة، وبصل وكمامات، وأكياس نايلون يوزعونها على بعضهم البعض.

ابتكر فدائيو وحدة قص السلك طريقة جديدة في التعامل مع الغاز المسيل للدموع، يوضح أبو يزن أن الشباب بدؤوا باستخدام كيس النايلون، فبمجرد أن يطلق الاحتلال قنابل الغاز يرتدون الكيس في رؤوسهم مع ترك حيز منه يعلو الرأس، ومن ثم يحكمون إغلاقه تحت الذقن، وبالتالي يتنفسون الهواء النقي الموجود في هذا الحيز، وبعد مرور خمس دقائق ينزعونه.

ويبين أن أحد الوسائل التي يحمي بها أفراد هذه الوحدة الناس من قنابل الغاز، هي الإمساك بها وإعادة قذفها على جنود الاحتلال مرة أخرى.

و"التكتيك" الذي يستخدمه أفراد "وحدة قص السلك" بهدف تشتيت قناصة الاحتلال وحجب الرؤية عنهم، هو إشعال إطارات "الكاوتشوك" بالقرب من السياج الفاصل، وبذلك يتمكن بعضهم من التقدم نحو السلك، ومن يصل يقطع السلك ويربطه بحبل، ومن ثم يرمي الحبل ليقوم من بعده بسحبه، وفق أبو يزن.