فلسطين أون لاين

السلطة الفلسطينية تتربع في وَحْل التنسيق الأمني

...
صورة أرشيفية
غزة - يحيى اليعقوبي

أوفى رئيس السلطة محمود عباس بوعوده العلنية بالاستمرار في التنسيق الأمني مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، الذي كان قد وصفه "بالمقدس"، في حين لم يجد التلويح بوقفه حيزا للتنفيذ، ضاربا بذلك قرارات المجلس المركزي الفلسطيني ذات العلاقة بعرض الحائط.

ومطلع 2016، أكدت صحيفة "هآرتس" العبرية أن تحسنا ملموسا طرأ على مستوى التنسيق الأمني مع أجهزة الأمن التابعة للسلطة في الضفة الغربية، وأنه تحول إلى تنسيق على مدار الساعة، قائلة: إن تعليمات صدرت من عباس بالعمل على تهدئة الأوضاع وأنه جرت العودة إلى اعتقال أنصار حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في هذا الإطار.

ولم يجد مدير مخابرات السلطة ماجد فرج حرجا، في يناير/كانون ثاني، بالإعلان خلال مقابلة مع مجلة "ديفنس نيوز" الأمنية الأمريكية، عن إحباط الأجهزة التابعة للسلطة، 200 عملية فدائية ضد الاحتلال الإسرائيلي، واعتقالها 100 شاب خلال انتفاضة القدس التي انطلقت مطلع أكتوبر 2015 ، الأمر الذي أثار جدلا واسعا.

وأفاد تقرير لمنظمتي "بتسليم" و"مركز الدفاع عن الفرد" الإسرائيليتين، في 24شباط/ فبراير أن السلطة نقلت إلى جهاز الأمن العام التابع للاحتلال "الشاباك" اعترافات "تم انتزاعها بالتعذيب" من نشطاء فلسطينيين وملفات تحقيق بخصوصهم لتستخدمها سلطات الاحتلال في تحقيقاتها مع أسرى فلسطينيين.

كرر عباس في الأول من نيسان/ أبريل، تمسكه بمواصلة التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال، معتبرًا أن انعدام التنسيق بين الجانبين "سيُحدث فوضى دموية في المنطقة"؛ على حد تعبيره.

وقال عباس في حديث للقناة الثانية العبرية: إن قواته الأمنية تحاول منع الشبان الفلسطينيين من حمل السكاكين لطعن أفراد الاحتلال، ووصف عباس هذه العمليات التي تأتي ضمن انتفاضة القدس بأنها "غير معقولة".

وفي قضية أثارت الرأي العام الفلسطيني، واعتبرها مراقبون دليلا على تصاعد التنسيق الأمني اعتقلت أجهزة الأمن التابعة للسلطة ستة شبان كانوا في رحلة ترفيهية في الضفة، في السابع من أبريل/ نيسان.

انتهى الاعتقال في سجون السلطة بعد أكثر من خمسة أشهر، في ظروف وصفها حقوقيون بأنها "قاسية"، وأفرجت عنهم في الثامن من سبتمبر/ أيلول الماضي، بعد أن أعلنوا في 28 آب/ أغسطس الإضراب عن الطعام.

وبعد إطلاق سراحهم، اعتقل الاحتلال الإسرائيلي أربعة منهم في 26 من سبتمبر/ أيلول الماضي.

ويعد وقف التنسيق الأمني مطلبا شعبيا وفصائليا مستمرا خاصة منذ اندلاع انتفاضة القدس في وجه جرائم الاحتلال الإسرائيلي.

وتلوح السلطة بين الفينة والأخرى بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، لكن ذلك لا يجد حيزا للتنفيذ على أرض الواقع.

ورغم أن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح اللواء جبريل الرجوب، أعلنا في مايو/ أيار عن انتهاء اللقاءات الثنائية مع الاحتلال الإسرائيلي، فإن وزارة جيش الاحتلال أكدت في تصريح نقلته الإذاعة الإسرائيلية العامة، أن التنسيق الأمني مع السلطة مستمر.

وكان المجلس المركزي الفلسطيني قرر في ختام دورته العادية الـ27 في رام الله في الخامس من مارس/ آذار 2015م، وقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، لكن القرار لم ينفذ حتى الآن.

والتنسيق الأمني، سيئ السمعة، هو أحد إفرازات اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير و(إسرائيل) في 1993.

وطرح الأمين العام لحركة الجهاد الاسلامي د. رمضان شلح في ذكرى انطلاقة حركته في 21 أكتوبر/ تشرين أول مبادرة من 10 نقاط "للخروج من المأزق الفلسطيني"، منها إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة وصياغة برنامج جديد موحد واستراتيجية على قاعدة التحلل من اتفاقيات أوسلو.

وتؤكد حماس استمرار الاعتقالات السياسية في الضفة الغربية، ومن ذلك إعلانها في 21 ديسمبر/ كانون الأول اعتقال أجهزة السلطة هناك ستة مواطنين واستدعاؤها آخر، ومواصلتها اعتقال العشرات في الضفة، "على خلفية سياسية ودون سند قانوني".

مد وجزر

"هناك حالات من المد والجزر بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي بموضوع التنسيق الأمني المرفوض جملة وتفصيلا من الشعب الفلسطيني، وفصائله المختلفة"؛ هذا ما يؤكده المحلل السياسي د. كمال علاونة، مشيرا إلى أن التنسيق نتاج اتفاقية أوسلو "الهشة" التي أعطت الفلسطينيين "حكما ذاتيا وكيانا لا سلطة له".

ويوضح لصحيفة "فلسطين"، أن الكثير من عمليات التنسيق بين السلطة في رام الله والاحتلال الإسرائيلي، لا يتم الإعلان عنها، لافتا إلى وجود تذمر شديد من الشعب والفصائل الفلسطينية من التنسيق خاصة في ظل مشاكل تعاني منها تلك الشرائح.

وتتنوع عمليات التنسيق، وفق علاونة، ما بين تنسيقات اقتصادية وصحية وتعليمية وإعلامية ومالية، موضحا، أن التنسيق الأمني والعسكري خطير ويضر بالمصلحة الفلسطينية العليا.

ويعتبر التنسيق الأمني "عملية فرض إرادات عسكرية من قبل الاحتلال على السلطة"، منوها إلى أن ذلك يمثل "حالة ظلم مضاعف يثقل كاهل الشعب الفلسطيني، ويضر بالطلبة والنشطاء الفلسطينيين".

وفي المقابل، يقول: "من يستفيد من التنسيق فلسطينيا هم شخصيات قليلة من حملة بطاقة VIP)) للمرور عبر حواجز الاحتلال، أو الخروج للسفر عبر المنافذ البرية والجوية خاصة بمطار اللد، متسائلا: كيف لضابط فلسطيني برتبة لواء يوقفه جندي إسرائيلي على الحواجز؟".

ويوضح المتخصص في شؤون الاحتلال الإسرائيلي، هاني أبو سباع، من ناحيته، أن التقديرات الأمنية للاحتلال تتحدث عن أن الضفة الغربية باتت بفضل التنسيق الأمني، "كتابا مفتوحا" لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وأنه يعرف كل شاردة وواردة فيها.

ومن خلال التنسيق الأمني- يقول أبو سباع لصحيفة "فلسطين"- تمنع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، طلبة الجامعات من الوصول إلى نقاط الاحتكاك مع الاحتلال، مشيرا إلى أنه خلال انتفاضة الأقصى في 2000، قامت تلك الأجهزة بإرجاع قرابة 98 مستوطنا دخلوا مناطق خاضعة لإدارة السلطة في الضفة.

ويلفت إلى أن الاحتلال يقتحم الجامعات الفلسطينية في الضفة الغربية، في أي مناسبة وطنية تشارك فيها الكتل الطلابية المؤيدة للمقاومة، ويصادر ممتلكاتها.

وينوه إلى ما يسمى "سياسة الباب الدوار"، قائلا: "لاحظنا أن بعض الشبان عندما يخرجون من سجون السلطة يعتقلهم الاحتلال".

ضمن ملحق تصدره صحيفة فلسطين حول أهم أحداث 2016 فلسطينيًا