تثير حالة الانسجام والتفاعل الحاصلة بين فكرة "مسيرة العودة" بمبادئها الأولى المعلنة وبين حالة من المقاومة الشعبية بما تتضمنها من وسائل وأدوات يستخدمها المتظاهرون السلميون، قلق سلطات الاحتلال من ظهور سيناريوهات غير محتلة في "يوم الحشد الكبير" المقرر غدًا 14 مايو/ أيار.
وتشير تقارير إسرائيلية إلى أن قدرات جيش الاحتلال العملياتية تعتمد على التواجد الكبير لقادة الجيش في الميدان، إذ تم تعيين ضابط برتبة قائد كتيبة على نقاط الاحتكاك القريبة من مخيمات العودة الخمسة.
ويقول الكاتب الإسرائيلي عاموس هارئيل: "إن الجيش سيعتمد على استراتيجية ضبط النفس "قدر الإمكان، فكل حادث يقتل به عشرات الفلسطينيين غير المسلحين نتيجة اختراق السياج سينظر له كعامل ضغط دولي إضافي على (إسرائيل)".
في حين يقدر جيش الاحتلال أن عدد شهداء المسيرة في ذكرى النكبة لن يزيد عن مئة في حال خرجت المظاهرات الشعبية عن السيطرة، ووصل المتظاهرون إلى محاور الحركة الرئيسة بالأراضي الفلسطينية المحتلة بعد اجتياز السياج الفاصل.
وتطرح التقديرات السابقة تساؤلاً حول طبيعة الأزمة التي يعيشها الاحتلال، ومدى اقتراب المسيرة من تحقيق أهدافها.
تفاعل ولحمة
ويوضح المتحدث باسم مسيرة العودة أحمد أبو ارتيمة، أن للمسيرة أهدافا وأسسا ومبادئ محددة معينة جرى الإعلان عنها (رفض صفقة القرن، كسر الحصار، التأكيد على حق العودة وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية).
وقال: "ما يحدث الآن ليس بالضبط ما دعا إليه المؤسسون الأوائل لفكرة المسيرة، بل هو تفاعل بين الفكرة بمبادئها الأولى المعلنة وبين حالة من المقاومة الشعبية التي ليس لها قائد مركزي يضبط إيقاعها".
فعلى سبيل المثال كما يبين أبو رتيمة لصحيفة "فلسطين"، قص السياج الفاصل، وإحراق اطارات السيارات، والتسلل لم تكن ضمن المخططات الأولى، وهذا يعني أن هناك فرقا بين النظرية والتطبيق وهي أفعال شعبية مقاومة تأتي في إطار الروح والتفاعل الإيجابي مع القضية.
ويرى أن التفاعل الجماهيري الكبير وغياب مؤشرات تراجعه خاصة مع الاقتراب من يوم الذروة "يدلل على حيوية الشعب والفكرة وأنها جاءت من بيئة حاضنة لها".
وعن الذي حققته المسيرة حتى اللحظة، يوضح أنها عززت حق العودة في نفوس الناس وخلقت حالة من النضال الشعبي، وعززت حالة المأزق الذي يعيشه الاحتلال، وفعّلت الطاقات الشعبية، مشيراً إلى أن تفعيل هذه الطاقات شرط ضروري لأي حركة نضال ضد الاحتلال، بأن تكون هناك حالة شعبية عامة وليست تفصيلية.
وقال: "نقترب من أهدافنا الوطنية حينما تكون هناك حالة مساندة ووعي وطني يشترك فيه جميع الشرائح وليس فقط الفصائل والنخب".
مأزق الاحتلال
المحلل السياسي د. محمود العجرمي يقول: إنه لا يمكن الحديث عن اقتراب تحقيق الأهداف من زوايا زمنية بعينها، فهذا إبداع جديد ومتقدم لشعبنا في مواجهة الاحتلال، والتحرك السلمي وضع الاحتلال في مأزق حقيقي، كما ذكر وزير جيش الاحتلال أفيغدور ليبرمان أنهم يحشدون الآلاف من الجنود أمام النقاط الخمس لمواجهة الحراك السلمي.
ويضيف لصحيفة "فلسطين": "حشودات الجيش تعني أن الاحتلال لا يمتلك أدوات لمواجهة التحرك السلمي الذي يعيد للقضية ألقها ويضعها في مقدمة الأخبار والمواقف التي صدرت عن دول آسيوية إسلامية وبرلمانات دولية ومؤسسات حقوقية".
ويبين العجرمي أن تلك المواقف أكدت على الصورة النمطية لدولة الاحتلال باعتبارها كيانا قاتلا يخترق كل المواثيق والأعراف الدولية، سواء القانون الدولي العام أو اتفاقيات جنيف.
ويرى أن الاحتلال يواجه تخبّطا على المستوى الدبلوماسي، فهو في مأزق كبير باعتبار أنه يواجه نمطا جديدا في المسيرات السلمية، معتقدا أن المسيرات ستتصاعد وتراكم نقاط القوة لإحداث التحول النوعي الذي سيفرض انجازً استراتيجيا كبيرًا.
ويدلل التفاعل الشعبي الكبير، والكلام للعجرمي، أن هناك قرارا فلسطينيا شعبيا باستمرار المسيرات لتحقيق أهدافها، تأخذ أشكالا مختلفة ومتعددة وقد يكون 15 مايو الجاري يوما مشهودا، وتحدث مفاجآت للاحتلال، خاصة أن الشعب الفلسطيني موحد وقادر على الفعل.
وتابع: "الشعب الفلسطيني في معركة إرادات وليس معركة من النوع العسكري، لذلك سيستمر في نضاله بالطرق السلمية حتى إنجاز أهدافه التي بدأت تؤتي أكلها خاصة بدليل المواقف التي تصدر من دول العالم حتى الدول الغربية مثل فرنسا وإيطاليا واليونان وألمانيا وكثيرون يمثلون إسنادًا لقضية الشعب، في ظل الجنون المفرط في القوة من قبل جنود الاحتلال لا يحملون إلا لحمهم الحي".
ويعتقد العجرمي أن السيناريو الذي يرعب الاحتلال، هو دخول عشرات أو مئات الآلاف من الفلسطينيين لوطنهم مما سيضع الاحتلال في الزاوية كما في جمع سابقة، متوقعا حدوث صدامات مع جيش الاحتلال.