أوقف محمود عباس مخصصات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي تحصل عليها –كسائر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية– من الصندوق القومي الفلسطيني بسبب مطالبتها له بالاستقالة. هذه ربما المرة الثالثة التي تُقطع فيها مخصصات الجبهة الشعبية؛ الأولى عند معارضتها الحل المرحلي في عام 1974، والثانية عند معارضتها مؤتمر مدريد في عام 1991م.
الصندوق القومي الفلسطيني مؤسسة مالية لكل الشعب الفلسطيني وليست لمحمود عباس. الجبهة الشعبية وكل الفصائل الفلسطينية من حقها الحصول على المال من الصندوق القومي الفلسطيني –إن وُجِد فيه مالٌ أصلًا– متى شاءت وبنسبة نضالها إلى نضال الآخرين، ويجب ألا يمتن أحد على تلك الفصائل بمنحها المال للقيام بأشكال نضالها المختلفة.
المال سلاح خطير يستخدمه مالكوه لتحقيق أجنداتهم. كل الدول التي تمنح دولًا أخرى أو منظمات أو جمعيات أو حتى أفرادًا أية أموال، فإنها لا تمنحها ابتغاء وجه الله واليوم الآخر قطعًا، وإنما لتمسك بطرف بزمام هذه الدول والمنظمات وتُخضِعها لسياساتها وغالبًا يتم ذلك بالإيحاء وليس صراحة. وفي الحالة الفلسطينية؛ فإن هؤلاء المانحين يرغبون في الإمساك بالقضية الفلسطينية بطرف، وتوجيهها وفق سياساتهم. ستجد تلك المنظمات نفسها مضطرة لمجاملة المانحين ومراقبة ذاتها قولًا وعملًا مخافة أن يصدر عنها أو حتى عن بعض أفرادها ما يغضب أولئك المانحين فيتوقف أو يتقلص الدعم. وهكذا تصبح هذه تبرعات مشروطة عمليًا في ثوب تبرعات غير مشروطة نظريًا.
للأسف الشديد اعتادت كل المنظمات الفلسطينية أن تتقاضى منحًا ومساعدات مالية، وربما عينية أيضًا، من أية جهة ترغب في تقديم الدعم، ودون وضع أية شروط لتلقي تلك المنح. تلقت منظمة التحرير مئات الملايين من الدول العربية في عمرها المديد، فكانت رهينة لسياسات تلك الدول الخاضعة للهيمنة الأجنبية والاستعمارية. وبعد قيام السلطة الفلسطينية أصبحت منظمة التحرير وسلطتها تعتمدان على المساعدات الأمريكية والأوربية مباشرة. لن يكون منطقيًا ولا سويًا أن تتلقى منظمات تتبنى الكفاح المسلح كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مخصصات مالية من منظمة اعترفت (بإسرائيل) وسالمتها وأنهت الصراع معها.
تدرك الفصائل الفلسطيني كافة انها تعمل ضد التوجهات الدولية المعترفة (بإسرائيل) والحريصة على بقائها. ولذلك من غير المنطقي أن تنتظر هذه الفصائل مساعدات من أحد. مَن نعتقد أنهم أصدقاء للشعب الفلسطيني هم أيضًا يبتزونه ليمارس أدنى درجات المقاومة بما لا يتعارض مع صداقتهم هم مع أمريكا أو حلفائها.
مًن يطلب الحرية والاستقلال ويتحدى العالم، لا يمكنه، ولا يليق به أن ينتظر مساعدة من أحد، بل يوفر الإمكانات الأساسية الكفيلة بتمويله ذاتيًا، كإقامة المشاريع الاقتصادية الكبرى في الدول المختلفة وتحت أسماء شركات يقودها أفراد غير معروفين بانتماءاتهم الفصائلية. إن الحل الوحيد للجبهة الشعبية ولحركة حماس ولسائر قوى الشعب الفلسطيني أن تتجه لامتلاك قرارها وتمويل ذاتها ووضع استراتيجيات كفيلة بتحقيق ذلك، وعدم إضاعة مزيد من الوقت في اللهاث وراء المانحين المانعين، فإن مَن يُشهِر سلاحه طالبًا الحرية لا يمد يده.