بعد استهداف قاعدة "تي فور" من قبل الطائرات الإسرائيلية منذ شهر من اليوم وإصابة عدد من الإيرانيين المتواجدين في القاعدة كانت توقعات الكثيرون وما زالت تنتظر الرد الإيراني السريع والمباشر على طريقة: "عليهم يا رجال الله" أو طريقة الفزعات الارتجالية، أو هناك من ذهب ساخرًا بالمقولة المعروفة: "سنختار المكان والزمان المناسبين للرد".
الدارس لطريقة تفكير صانع القرار الإيراني والحكومة الإسرائيلية كأحد الدارسين جيدًا. كذلك مراكز البحث الصهيونية تكاد تجمع بأن الرد لا محالة قادم وهم أصلًا يجمعون على أن العدو اللدود لدولتهم في المنطقة هي إيران ومحور المقاومة المتمثل بالمقاومة الفلسطينية واللبنانية، وسوى ذلك فالمشهد العربي وردي بالنسبة لهم، ولا يوجد أي خطر قادم أو متوقع من أية جهة سوى هذه، وما سيخرج من تحت غبار الحرب القائمة في سوريا.
بكل موضوعية وبعيدًا عن العواطف أو التحفظات على بعض السياسات الإيرانية في المنطقة وبالنظر بطريقة الميكروسكوب على الاشتباك الإسرائيلي الإيراني فإن الرد أصلا كان وما زال يشكل الخطر الأكبر على دولة الاحتلال، فالداعم الرئيس لحزب الله مثلًا هي إيران ونعلم تماما ماذا فعل حزب الله حيث رفع كلفة الاحتلال الإسرائيلي للبنان على مدار عدة سنوات من ذاك الاحتلال الأسود فبعد أن عاث فسادا وقتلا وتدميرا وارتكب ما ارتكب في هذا اللبنان المستباح وتوج ذلك بمجزرة صبرا وشاتيلا، جاء دور حزب الله ليعمل بطريقة منهجية وليعالج الاحتلال بالرد المدروس واستنزافه ماديا وبشريا لعدة سنوات وليخوض عدة حروب كانت نتيجتها هروب الجيِش الإسرائيلي عام 2000 وإخلاءه مواقعه في غسق الليل بعملية سموها الغسق، وحتى أن سجونه وبالتحديد سجن الخيام تركه ليأتي حزب الله ويحرر ما فيه من أسرى بمشهد نصر وعزة غير مسبوق. وعلى هذا الصعيد كانت عدة صفقات تبادل نجح فيها حزب الله بتحرير عدد كبير ولم يعد له أسرى في سجونهم. ثم توج هذا الاشتباك الطويل بحرب تموز 2006 والذي فاجأ به حزب الله جيش الاحتلال بمضادات للدروع وجعل من الميركافا الإسرائيلية مهزلة حيث فتح لها محرقة في الجنوب اللبناني.
وما زال الحزب وما يملك من صواريخ وإعدادات وعقيدة قتالية وخبرة ميدانية يشكل لدولة الاحتلال مصدر رعب وتمكن من تحقيق توازن رعب وحاميا للبنان من هذا الوحش المفترس الذي كان يعتبر الدخول إلى للبنان مجرد نزهة أو رحلة صيفية وإذا به يرتد إلى ذاته خاسئا وغارقا لغطرسته في وحل هزيمة لم يكن يتوقعها في يوم من الأيام.
وكذلك المقاومة الفلسطينية في غزة، أقامت معادلة توازن الرعب مع هذا الاحتلال وأصبحت على الأقل خياراته صعبة: احتلال غزة صعب والاستمرار فيما لو نجح في السيطرة من جديد في غاية الصعوبة وخيار الحصار كذلك أصبح صعبا واستمراره يفتح الأبواب على خيارات أكثر صعوبة. بالنتيجة لم تعد خيارات المقاومة والشعب الفلسطيني وحدها صعبة بل خيارات الاحتلال أكثر صعوبة وهذا هو توازن القوى بين الاحتلال والمحتل الطبيعي.
عودة إلى الدور الإيراني الواضح جدا في المعادلة اللبنانية بحكم وجود خط الإمداد المفتوح عبر سوريا والغامض على البعض بخصوص المقاومة الفلسطينية في غزة رغم وضوحه لكل من كان له عقل سياسي، طبعا بحكم الحصار وعدم وجود المعادلة الذهبية اللبنانية (الشعب والجيش والمقاومة) في فلسطين وصعوبة فتح خط إمداد للمقاومة كتلك التي في لبنان، لكل هذا اختلف الأمر عن الحالة اللبنانية.
إذًا الرد الإيراني موجود سياسيا وماديا ومتواصل ولم ينقطع أبدا رغم كل محاولات الإغواء الغربية ورغم دفعهم أثمانًا باهظة مقابل موقفهم مع المقاومة اللبنانية والفلسطينية. وعلى هذه الحادثة (قصف قاعدة تي فور) لا جدال على الرد ولكن النقاش على كيف يكون: بالطريقة العسكرية الكلاسيكية كما يتوقعها البعض أو من خلال الطريقة المعهودة في الدعم النوعي للمقاومة أو بطريقة جديدة مفاجئة؟ الأيام ستكشف لنا ولكن من الغريب التشكيك في هذا الانحياز القوي للمقاومة بطرح سؤال هل ترد أو لا ترد؟