كثيرون يصنعون هذه الأيام على عين أعدائنا.. فجأة تظهر شخصية مميزة خاصة في الدين أو السياسة، تظهر قدرات عالية وتطرق على أعصاب حساسة وتعزف سيمفونية تدغدغ عواطف شبابنا وتطير بهم الى حيث يتمنون ويحبون.. ثم تجد من يدعمها في الخفاء ويتاح لها الظهور في الفضائيات، فجأة تسلب العقول وتصبح حديث الشارع ومحطّ الإعجابات، وينتشر ذكرها وما سجلته من فيديوهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي انتشار النار في الهشيم.. ومما يعزز هذا الانتشار السريع هو طبيعة شعوبنا الطيبة والتي تحتكم في الغالب إلى قلوبها قبل عقولها ولا ترتكز إلى أصول فكرية وقواعد راسية في الفهم والتقييم، لذلك سرعان ما تؤيد وسرعان ما تصدم فيما بعد. وهناك عند شعوبنا الطيبة الزائدة والورع الكاذب الذي يجعلنا مخافة الغيبة والخوض في لحوم العلماء المسمومة الابتعاد عن النظرة النقدية وبالتالي السير معهم إلى نهاية الطريق. (وهذا إلى حدّ ما صحيح ولكن يجب أن لا تلغي الثقة الحذر).
وتصبح هذه الشخصيات بعد ما حققته من ظهور وانتشار واسعين تدلي بدلوها في كل الميادين، ولم لا وقد نالت هذا القبول العظيم وسلبت القلوب قبل العقول.. ويأتي دورها لتزكي حكام وسياسات فاشلة ومخزية لتجعل منها رمز الرقي والتقدم والنجاح.
وأخطر هذه الشخصيات هي تلك التي ترتكز إلى الدين وتظهر بصورة الداعية العلامة؛ ولأن الناس بغالبيتهم لا يفرقون بين الدين وبين من يتكلم باسم الدين، فيظهر هذا الداعية وكأنه الدين عينه، ولا يفرق بين فهمه للدين الذي قد يصيب وقد يخطئ وبين قداسة الدين ذاته، وكذلك من الخطورة بمكان أن يظهر بأنه من المجددين للفهم الديني ومن أصحاب النقد الذاتي وتصويب الموروث بطريقة علمية ووسطية يغزو بها العقول ويطرق على جوانب يتوق الناس ليروا التجديد والتغيير فيها.
من الأمثلة قبل ثلاث سنوات ظهر داعية (لا داعي لذكره بالاسم لأن هذه ينطبق على مجموعة وليس واحدًا بعينه)، وطرق على التجديد والوسطية والفهم العصري الجميل للدين وكان الدين والوسطية هو المقدس المطروح على شاشته الخليجية ثم التفكير الديني العصري الذي يسلب العقول قبل القلوب وتناول الإسلام السياسي بالنقد والتشريح وتناول شعار الإسلام هو الحل بالنقد الرحيم وكأنه يريده ولكن بطريقة علمية عصرية جميلة غير تقليدية بليدة كئيبة.. ذهب بعيدًا بطريقة إلقاء ذات لحن قوي وبإيقاعات خلابة.. تداول كلامه كثيرون وأصبح محطّ أنظار الشباب الطامح.. فجأة وإذا به يطبق هذا النموذج الراقي للدين ويسقطه على دول تسارع للتطبيع مع الاحتلال وتدفع غاليها ونفيسها لأمريكا ويعدّ هذه الدول نموذجًا للرقي والفهم وتطبيق الدين بما تمتلك من حكام يعز مثيلهم.. فجأة نكتشف بأننا محظوظون بهذه الزعامات وبأننا الأرقى في العالم والأكثر رشدًا وعلمًا وتطورًا بفضل هذه الزعامات.
ليس الأمر اختلافًا في وجهات نظر، وإنما الاختلاف في طريقة التفكير ومنهجيتها ثم صبّ كل مقولاتنا لخدمة شياطين المنطقة، فهل يعقل لمن يتفق مع الشيطان أن نعتبر له ذلك وجهة نظر أو زلة داعية؟!
يقف العاقل في هؤلاء بين أمرين: أنهم صُنعوا على أعينهم وأُعدوا ليلعبوا هذا الدور أو أنه قد تم شراؤهم ليلعبوا هذا الدور، والأمران سيّان.. النتيجة واحدة فلنحذر كل هؤلاء.