ربما أول ما تقرأ عنوان المقال تقول: "وهل يوجد عمل في بلادنا حتى يكون عمّال؟! لا شك بأنَّ واقعنا صعبٌ لكن هذا لا يمنع أن نتحدث عن مكانة العمل والعمَّال في الإسلام ونشير لبعض الحلول التي ربما تقاوم جزءاً من البطالة..
البطالةُ مشكلةٌ قديمةٌ حديثةٌ تؤرق كبريات الدول وهي سببٌ رئيسي في فقر الفرد والأُسرة والدولة، وللبطالة والفقر آثار سلبية تؤدي إلى انحرافات سلوكية وأخلاقية ومشاكل اجتماعية واقتصادية، لذا كان رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يستعيذ من الكفر والفقر في كل صباحٍ ومساء.
وقد اعتنى بهذه المشكلة الخطيرة منذ فجر الدعوة، فشجّع على مزاولة الأعمال والمهن والصناعات فقال: "ما أكل أحدٌ طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده وإنَّ نبيَّ الله داود كان يأكلُ من عمل يده"، وقد حثَّ عليه الصلاة والسلام على العمل مهما كان شاقاً ومهما قلت السُبل إليه، فقال: "لأن يأخذ أحدكم حَبلَه فيأتي بحُزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطَوْه أو منعوه".
ولأنه القدوة الحسنة لأمته في كل شيء فقد بدأ برعي الغنم ثم أخذ يرافق عمه أبا طالب في تجارته للشام فتعلّم أمور التجارة فسمعت به السيدة خديجة فصار يتاجر بمالها حتى أصبح من كبار التجار وهو في ريعان الشباب.. فالذي يبدأ يصل أما الذي لا يبدأ فلن يبرح مكانه.
فهذا عبد الرحمن بن عوف لم يقبل مساعدة مالية من سعد بن الربيع الأنصاري رغم أنها كانت نصف ماله، ولكنه قال له: "بارك الله لك يا أخي في مالك، ولكن دُلني على السوق".. فأخذ يبيع ويشتري حتى صار من أغنى أغنياء الصحابة.
وأعرف شاباً لم يحصل على وظيفة بعد تخرجه فأخذ يبيع الفستق على عربة خشبية في سوق الزاوية بمدينة غزة، ومكث وقتاً على هذا الحال، ثم عمل في محطة بترول ومضت سنوات وبعدها يسّر الله (تعالى) له وظيفة في إحدى الوزارات ثم تقدم في عمله حتى حصل على درجة مدير واشترى أرضا وبناها وهو الآن في أحسن حال، كما أعرف شباباً مبادرين شقوا طريقهم وحفروا الصخر بأيديهم، منهم من بدأ مشروعاً صغيراً وكبر المشروع وكبر دخله ومنهم من عمل عن بُعد عبر الانترنت ويكسب شهرياً أكثر من راتب مدير عام، بارك الله لهم، وأكثر من أمثال هؤلاء الشباب أصحاب الهمم العالية.
أيها الشباب: لن تستطيع أي حكومة في العالم أن توفِّر وظائف لكافة الخريجين فلا تُضيِّعوا أوقاتكم سُدى.. ابدءوا بأي عمل مهما كان بسيطاً وسيفتح الله لكم السُبل وستنتقلون من عملٍ لآخر حتى تصلوا إلى العمل أو الوظيفة التي تطمحون.