يُحكى أن وسيلة نقل رائعة في زمانها كانت مضربا للمثل وسط أقرانها، حصان قوي بقوة سبعين حصانا يجر عربة جميلة حسنة القوام.. يقودها شاب طموح محترف القيادة والمراس.. وقد سافرت طويلا وجابت الأمصار، ومع تقدم الأيام شاخ السائق والحصان وتهدلت العربة وتقاصرت المسافات.. لم تعد تطيق السفر الطويل، ومع ظهور عصر السيارات تراجعت إلى أن اقتصرت على سفر لنزهة العشاق ومن يتوقون لأيام زمان، ثم أصبحت للأعراس والعرسان الذين يرغبون بتخريج شعور رومانسي من تحت الركام. ثم أصبح الناس ذات يوم وقد شاهدوا مشهدا مغايرا مع مر السنين والأيام فإذا بالعربة أمام الحصان والحصان يقف مشدوها دون أن يحرك ساكنا منزوع الإرادة فاقد الهمة وشجاعة الفرسان.
كم من الدول والثورات مرت بما مرت به هذه المركبة حيث كانت تمخر الارض وتثور من خلفها الجبال، يهابها كل أهل الارض والانام، الا انها اليوم لا تقوى على جرّ نفسها، تسير سير ما تتورع عنه السلحفاة، ولأنها اصبحت لا تسمن ولا تغني من جوع وان سيرها او توقفها او انقراضها لا يكترث به أحد فإن وضع العربة امام الحصان ام خلفه لم يعد ذا أهمية.
زارني صديق قادم من زيارة لفيتنام وحدثني العجب العجاب، حدثني عن قصة شعب وقصة ثورة نجحت في الخروج من تحت الركام كالعنقاء كما كان يقول أبو عمار رحمه الله، ما بين عام 1975 واليوم مسافة زمنية صنعوا فيها نصرا حقيقيا، حرروا البلاد من اقوى وأعنف وأعتى دولة استعمارية ( امريكا ) ثم بنوا دولة متطورة بعد ان كان كل ما فيها متبرا تتبيرا كبيرا، أراني صورا لما كانت عليه ولما اصبحت، قال لي انه كان في مدينة تعدادها ثمانية ملايين لا تجد فيها أزمة سير، نظام ونظافة ونزاهة حكم وعدالة وأخلاق، جمعوا بين الاخلاق الثورية الجميلة واخلاق العمل والبناء بنوعية فريدة.. حدثني عن رقي شعبها وعشقه للعمل والحركة والابداع، وحدثني عن قادتها وحكامها والنظام السياسي العصري والاصيل، يواجه ويتحدى ويصر ويصل الى اهدافه التي يريد بمعادلة يشارك فيها القوي والضعيف.
قلت له : كنا كذلك نواة نصر وتحرر، ثورة يهابها الجميع وتواصل الطريق بكل ثقة وتصميم وروية.. تماما نشترك مع الثورة الفيتنامية بكل القيم الثورية وحركة المظلومين النوعية.. وبكل موضوعية وفي منتصف الطريق ذهبنا نجرب طرقا غير ثورية.. نزلنا عن الجبل لالتقاط الغنائم الوهمية.. تركنا ظهورنا مكشوفة من غير حماية ودون مقاومة قوية، استمعنا لنصيحة ثعالب السياسة العالمية وصدقنا ان بالمفاوضات والضغط العالمي لعالم هذه الثعالب توصلنا الى الحقوق او نصفها او ثلثها او ربعها دون دم او ضحية، الى ان اصبحنا كالتي وقفت في منتصف سلم، درجاته العلوية مخفية والسفلى من طول الانتظار اصبحت متهالكة مقطعة الاوصال لا تقوى على حمل القضية.
أصبح وضع العربة امام الحصان ام خلفه لم يعد ذا أهمية.
ان يتقدم اجتماع المجلس الوطني أو يتأخر لم يعد هو من يقرر في القضية !!!!