فلسطين أون لاين

​القرب من "البلاد" يلهم الرسّام "أبو ندى"

...
غزة - هدى الدلو

سمع كثير من الأجداد عن أوجاع النكبة وآلامها، ومع متابعته "مسلسل التغريبة الفلسطينية" شعر بالوجع أكثر، فأمام حلقات المسلسل كان يجلس جاحظ العينين، ولا يحرك ساكنًا، إذ لم يكن يتوقع أن يكون أجداده عايشوا كل هذا الألم الذي رآه في مشي المُهجّرين تلو الآخر لمسافات طويلة، يحملون بأيديهم "صرة" ملابسهم، وأطفالهم يبكون جوعًا، والكبار يتألّمون الحال الذي وصلوا إليه، فقد تركوا خلفهم بيوتهم وحقولهم.

لم يكن عقل الفنان "أحمد أبو ندى" يقوى على تخيّل ذلك المشهد من "التغريبة"، ولكن بعد مشاهدته لهذا الكمّ الهائل من الوجع الذي عايشه الفلسطينيون بما فيهم أجداده، أخذت ريشته ترسم لوحة لقرية "بيت جرجا" التي يحلم بالعودة إليها في القريب العاجل، ليجلس تحت شجرة "التوت" ويرسم جمال الطبيعة هناك.

من خلف الحدود

أبو ندى يبلغ من العمر 21 عامًا، طالب جامعي يدرس إدارة الأعمال في جامعة القدس المفتوحة، وفنان تشكيلي يحب الإبداع والرسم في المجال الواقعي.

مع انطلاق مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار، حمل ألوانه ولوحته التي عكف على رسمها منذ أربعة أشهر وتحمل اسم "النكبة"، واتجه إلى مخيم العودة شرقي مدينة غزة، ليكملها على مقربة من قريته، حيث الهواء المنبعث من خلف الحدود ينعش قلبه.

وقال أبو ندى في حوار مع "فلسطين": "رغم أني لم أعِش النكبة، إلا أني شعرت بالوجع الذي عايشه أجدادي، وأحلم باليوم الذي انتقل فيه للعيش هناك، فقد غرس أجدادنا وآباؤنا فينا حبّ الوطن وحق العودة إلى الأرض التي هُجروا منها".

بينما هو يرسم، يحيط به شبان يهتفون بالعودة، وصغار يرددون الأناشيد الوطنية، وكبار في السن يجلسون معًا ليستذكروا "أيام زمان".

يتملكه شعور مختلط بين حزن وفرح، وهو يرسم قرية آبائه وأجداده، الحزن عليهم وعلى المآسي التي عايشوها، وتهجيرهم من أراضيهم ليعيشوا النكبة واللجوء، والفرح نابع من توثيقه لهذه الحقيقة عن طريق الرسم، الذي يؤمن أنه وسيلة من وسائل المقاومة، وأن "الفن المقاوم"، يحمل رسالة سامية للمجتمع الدولي بعيدًا عن الدماء، وبصورة راقية ومختلفة.

معظم اللوحات التي يرسمها أبو ندى، يستمد أفكارها من الواقع الفلسطيني، كالحروب التي يشنها الاحتلال ضد أبناء الشعب الفلسطيني، ورسم الشعراء والأدباء والفنانين الفلسطينيين، ويحلم باليوم الذي يرسم فيه عودة الفلسطينيين إلى ديارهم.

وأوضح أنه يرسم اللوحات التي تعبر عن القضية الفلسطينية لينشر من خلالها معاناة الشعب الفلسطيني، ولذا فهو يسعى لإقامة معارض خارج القطاع.

البداية

في السادسة من عمره اكتشف موهبته في الرسم عن طريق "الصدفة"، فقد جذبه ذلك الحصان المطبوع في كتابه المدرسي، فحاول أن يعيد رسمه على دفتره، ولم يكن يتوقع أن يتمكن من ذلك، وعندما رآه والده دُهِش من أدائه.

وقال: "حينها اكتشفت موهبة الرسم التي كانت مصدر فرح لي دائمًا، فالرسم يشعرني بالسعادة دائمًا وينقلني إلى عالم جميل، ومن خلاله يمكنني التعبير عما في داخلي بصورة راقية، ويساعدني على تحويل الطاقة السلبية إلى طاقة إبداعية، ولم أتوانَ عن العمل على تطويرها بشتى الطرق، وذلك بالممارسة والصبر والطموح".

ويختلف عن غيره من الفنانين في طريقة الرسم، خاصة أنه يميل إلى الواقعية في الرسم، ومن يرى لوحاته يعتقد أنها صورة فوتوغرافية بسبب دقته.