حين تم تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني الأول، الذي عقدت جلسته في القدس بتاريخ 28/5/ 1964، حرص أحمد الشقيري، وهو أحد المؤسسين الأوائل، على أن يكون المجلس الوطني ممثلاً لكل أطياف الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، ففي الوقت الذي تم تخصيص عدد 64 عضواً لسكان قطاع غزة، تم تحديد عدد 212 عضوا لسكان الأردن، بمن فيهم سكان الضفة الغربية الذين كانوا جزءاً من المملكة، وكان عدد أعضاء المجلس الوطني في ذلك الوقت يمثل نسبة معينة من عدد السكان في غزة والأردن، ولم ينسَ المؤسسون أي ساحة من ساحات التواجد الفلسطيني، بحيث غطى المجلس كل أماكن الشتات الفلسطيني.
فإذا دققنا في تركيبة المجلس الوطني الحالي، فإننا نلاحظ أن عدد أعضاء المجلس الوطني الممثلين لسكان قطاع غزة البالغ عددهم أكثر من 2 مليون نسمة، هو 130 عضوا فقط، لم يصل إلى رام الله منهم إلا 40 عضو مجلس وطني، بينما نجد أن عدد أعضاء المجلس الوطني الممثلين لسكان الضفة الغربية وحدها، والبالغ عددهم 3 ملايين فلسطيني، قد تجاوز 400 عضو مجلس وطني، وهذا يعني أن قيادة السلطة الفلسطينية قد ذبحت سكان غزة مرتين، المرة الأولى حين قطعت رواتب الموظفين، وفرضت العقوبات، وفي المرة الثانية حين همشت غزة في المجلس الوطني، وخصت الضفة الغربية بالحضور على حساب الكل الفلسطيني.
وحتى لا يساء الفهم، ونتهم بضيق الأفق، وعشق المناطق، فإننا لا نعترض على التمثيل الزائد لسكان الضفة الغربية في المجلس الوطني، ولا نسعى إلى التفريق بين فلسطيني في أريحا وفلسطيني في جباليا، ولا نتحدث عن مناطق جغرافية، ولا نميز بين كفاءة فلسطيني في سوريا وقدرات فلسطيني في مصر إلا في العطاء والولاء والتضحية والانتماء وصدق الوفاء، من هنا يأتي الاعتراض على أشخاص تم إلحاقهم بالمجلس وفق علاقاتهم الشخصية، وصداقاتهم، وعائلاتهم، ووفق النسب مع المسؤول فلان والقائد وفلان، مع ضمان الولاء لقيادة السلطة في رام الله، وهذا الاختيار ينطبق على ممثلي قطاع غزة في المجلس الوطني، فكل من يدقق في الأسماء يكتشف العوار الكبير، ويتعرف على شخصيات لا تمت للتأثير السياسي بصلة، شخصيات منفصلة عن واقع الناس في غزة، ولا علاقة لها بمسيرة العودة من قريب أو بعيد، شخصيات معظمها بلا ماضٍ نضالي، وبلا حاضر ثقافي أو سياسي، شخصيات صارت أعضاء مجلس وطني في غفلة من الانقسام، الذي يجري توظفيه لذبح إرادة المقاومة الفلسطينية.
فإذا أضيف إلى ما سبق عدد من أعضاء المجلس الوطني المنتسبين إلى تنظيمات فلسطينية محنطة، لا رصيد لها وسط الشارع، ولا يسمع باسمها أحد، ولا يتجاوز أعضاؤها عدد قيادتها، ومن يمثلهم في بعض المكاتب، هذه التنظيمات المجمدة لها تمثيل داخل المجلس الوطني يفوق كثيراً تمثيل حركات وازنة، مثل حركة حماس التي قصفت تل أبيب، وفرضت منع التجوال على آلاف المستوطنين، من هذا المنطلق، فإن توليفة أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في رام الله لا تمثل واقع الشعب الفلسطيني الباحث عن مستقبلة السياسي.
إن مجلسا وطنيا غير منتخب، ولا يمثل النخب الوطنية الوازنة، ولا يمثل كل القوى السياسية الفاعلة، هو مجلس فقد الاجماع الوطني، ولا يحق له النطق باسم الفلسطينيين، وإنما هو مجلس انتقائي، تم ترتيبه وفق جاهزية الحاضرين لرفع الأيدي لمجرد أن يرفع رئيسهم يده.
لقد تمنى الشعب المكافح الصبور جلسة مجلس وطني فلسطيني تلتقي على ضفافها كل روافد العمل الوطني، وتتدفق فيها كل شلالات العطاء الهادر في نفوس الأجيال التواقة للعطاء.