فلسطين أون لاين

السرّ في "خلطة" النشأة والثقافة

​وسن فياض.. طفولةٌ غنية أهلتها للقب "سفيرة الجالية المسلمة"

...
غزة - هدى الدلو

آمنت بدورها في المجتمع، وبالمسئوليات التي تحملها على كاهلها، فقررت أن تسعى لإيصال قضيتها الفلسطينية للعالم، مع حرصها على الحفاظ على هويتها المسلمة، ولغتها العربية، مرتكزة في ذلك على المبادئ التي نشأت عليها، ومستفيدة مما تعلمته من قراءتها لتاريخ الشعوب المناضلة وقادتها، وبفعل نشاطها وتأثيرها، لُقبت بـ"سفيرة الجالية المسلمة"، ومؤخرًا اختارتها منظمة "بيكو" الأمريكية ضمن 16 شخصية لاستعراض قصص نجاحها ودورها الفعّال في مجتمعاتها..

طفولة الكفاح والنضال

وسن فياض أبو بكر، فلسطينية المولد والنشأة، يبلغ عمرها 37 عامًا، تنحدر من مدينة طولكرم، نشأت في بيت فلسطيني مثقف ومتعلم من أسرة فلسطينية معروفة، والدها طبيب أسنان، وناشط في مجال حقوق الإنسان الفلسطيني، وقد سُجن مرات عديدة في سجون الاحتلال الإسرائيلي بسبب مواقفه الداعية لمقاطعة الاحتلال، والامتناع عن دفع الضرائب للحكومة الإسرائيلية، ووالدتها أكاديمية في قسم اللغة العربية بجامعة النجاح الوطنية في نابلس.

قالت فيّاض في حوار مع "فلسطين": "نشأتُ في أسرة وطنية ومناضلة متمسكة بالأرض والمبادئ الوطنية، كان لها دور في مقاومة الانتداب البريطاني، والاحتلال الإسرائيلي، ما كان له أثر كبير على شخصيتي، خاصة أن الانتفاضة الأولى بدأت بعد مولدي، وكان والدي في سجون الاحتلال، وكان لطفولتي في فلسطين أثر كبير في تكوين شخصيتي".

في طفولتها، نشأت على قراءة الكتب لمختلف المفكرين والشعراء المسلمين والفلسطينيين والعالميين، ورافقت والديها في اجتماعاته السياسية والثقافية مع المفكرين والشعراء الفلسطينيين، وفي عمله النقابي، ومن هنا تعلّمت احترام رأي الآخر، ومحاورته وبناء جسور السلام والحوار البناء، على حد قولها.

وعندما كبرت أكثر، بدأت بالمشاركة في الفعاليات الوطنية، كالمظاهرات، واختلطت بشخصيات مقربة لعائلتها فتعلمت منها القيادة والحكمة والقوة، إلى جانب ما تعلمته من قراءتها عن قادة في مختلف أنحاء العالم حملوا رسالة شعوبهم في النضال من أجل حقوقهم ومنهم نلسون مانديلا، وتشي جيفارا، ومارتن لوثر كنج، ومهاتما غاندي.

أوضحت: "النشأة التي حظيت بها هي التي جعلت مني وسن الآن، أتمسك بقضيتي الوطنية، ولا أتنازل عن حقوقي الفلسطينية مهما تعرضت للضغوط".

وبيّنت: "تعلمت من والدي أن للنضال الفلسطيني أشكالا، وشهدت خلال نشأتي أن الفلسطيني يستطيع أن يدافع عن قضيته بقلمه، أو ريشته، أو بفنه، أو كلمته الصادقة، أو تربيته لأبنائه، فالمقاومة الفلسطينية أثبتت للعالم أنها فن وتاريخ عريق".

قوة العلم

أول مقاومة لها كانت عبر تفوقها الدراسي، وتميزها في مجال كتابة المقالات في المرحلة الثانوية، كما قالت، مضيفة أنها شاركت في العديد من المسابقات والمحافل في فلسطين وحازت على جوائز كثيرة، ثم التحقت بجامعة النجاح الوطنية عام 1999.

وبعد التحاقها بالجامعة، بدأت انتفاضة الأقصى، عام 2000، وعن تلك الفقرة قالت: "تعرض الفلسطينيون لانتهاكات يومية، ومنها إقامة الحواجز بين المدن الفلسطينية، وبناء المزيد من المستوطنات، واعتقال الشباب، وكل ذلك كان محاولات ممنهجة لعرقلة الحياة، وإحكام الخناق على الفلسطينيين، لكنني تمسكت بتعليمي، ليقيني بأنه القوة التي أستطيع توجيهها لخدمة وطني وأبناء شعبي، وإيصال قضيته للعالم".

تزوجت عام ٢٠٠٥، ورُزِقت بثلاثة أطفال، وتقيم حاليًا في مدينة في ولاية تكساس الأمريكية، وقد واصلت دراستها وحصلت على درجة الماجستير في تعليم الأطفال في المراحل العمرية المبكرة، والأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة .

وأوضحت فياض: "أقف على مسؤولياتي تجاه أطفالي أولًا، ومجتمعي ثانيًا، أحب مساعدة الناس، ولي دور في أكثر من مجال، في كل جمعية أحب أن أمثل جاليتي وأكون سفيرة لها، وهكذا عرفني الناس هنا، أساعد جيراني، فلسطين قدمت لي الكثير، وعلي أن أرد الجميل، وهي قضيتي، المساواة والعدل والحرية والاحترام منهجي، وتمسكي بالحجاب هو رسالتي وهويتي للعالم ليقبلني كما أنا".

وبيّنت أن الفن والقلم وسيلتان قويتان لإكمال مشوارها، تحب الفن وتمارس أشكالا كثيرة منه بفضل ما تعلمته من والدتها، فهو وسيلة للتعبير عما بداخلها، أما القلم فله تأثير قوي، بالإضافة إلى الكلمة التي لها وقع كبير على النفس، "ويكمن الإبداع في كيفية تسييرهم من أجل مخاطبة العالم".

وقالت إنها من خلال عملها كمعلمة في المدارس الأمريكية العامة في عدة ولايات، تمكنت من نشر الوعي تجاه الجالية المسلمة، بعد أن شعرت بالمسؤولية تجاه الأطفال المسلمين، فأرادت أن تكون الصوت الذي يمثلهم، والشخص الذي يلجؤون إليه عندما يتعرضون لمضايقات في المدارس، وكذلك ساهمت في بناء جسور من التفاهم بين الأطفال والمدرسة.

وأضافت: "في شهر رمضان من كل عام، أعقد اجتماعًا مع مدير المدرسة لتعريفه برمضان وأهميته وأن الصيام فيه فرض على كل المسلمين، وأطلب منه اتخاذ إجراءات تيسر الصيام على أطفالنا، ومراعاة أن الطالب المسلم لا يستطيع التوجه إلى الكافتيريا وقت الغداء".

وجودها المستمر إلى جانب الطلبة المسلمين، جعلها تعمل جاهدة على تقوية شخصياتهم حتى لا يخجلوا هويتهم الإسلامية، ويتمسكوا بدينهم، واستخدمت في سبيل ذلك عدة وسائل لنشر التوعية الدينية للمعلمين وأولياء الأمور، وساهمت في تصميم مناهج تساعد الطفل المسلم على تعلم الإسلام والقرآن واللغة العربية بشكل ممتع عن طريق الفن، لكونه وسيلة تمتع الطالب وتجذبه نحو المعرفة.

أفضل شخصية

عملت فياض في منظمات لدعم اللاجئين في أمريكا، وحاولت أن تساهم في بناء جسور المحبة والسلام بين الجالية المسلمة والجاليات الأخرى، حتى حظيت بلقب "سفيرة الجالية المسلمة" من منظمة الأصدقاء الأمريكية، وشاركت في العديد من المحاضرات والاحتفالات، وحلقات التفاهم والحوار بين الحضارات، فكانت بحقّ سفيرة لجاليتها، تتحدث عن دينها وجذورها الفلسطينية في كل محفل.

وفي عام 2016 في شهر ديسمبر، اختارتها صحيفة أمريكية ضمن ١٢ شخصية لتكون "وجهًا من وجوه الكريسماس للعطاء"، وذلك تكريمًا لها ولدورها في مجتمعها في التعريف بالإسلام، ومساعدة اللاجئين في كاليفورنيا لدمجهم في مجتمعهم الجديد, وفي ٢٠١٧ قامت منظمة بيكو الأمريكية التي تلعب دورا مهما في تقريب وجهات النظر بين الطوائف الدينية والمجموعات العرقية في المجتمع باختيارها ضمن ١٦ شخصية من مجتمعات مختلفة للحديث عن قصص نجاحهم، ودورهم الفعّال في مجتمعهم.

وقالت: "وبسبب عملي المستمر في المجتمع سواء في منظمة الحوار بين الحضارات، أو كمعلمة أطفال في المدرسة الإسلامية، حظيت باهتمام كبير، وعليه تم اختياري لأكون نائبا لمدير منظمة (العدالة الوطنية لجيراننا)، وكاتبة في مجلة "كنجز ريفر لايف" لأكتب عن التحديات التي تواجه المسلمين في الغرب في تربية أطفالهم، وإبراز هويتهم الدينية، وتعليمهم الاسلام والعربية، بالإضافة إلى قصصي عن فلسطين وذكريات من الطفولة، واكتب باللغة الانجليزية في مجّلات ومواقع إلكترونية عدّة، وأترجم مقالاتي إلى العربية والإسبانية والفرنسية".

في كتاباتها، لم تنسَ أن توجه رسائل عديدة للعالم، مفادها أن علاقة الفلسطيني بأرضه مميزة، تغنى بها شعراء فلسطين ومبدعوها، وأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة، وأن الطفل الفلسطيني انتُهكت حقوقه الانسانية، وفقد طفولته، وأنه يحمل مسؤولية الدفاع عن أرضه، وفي نفس الوقت هو كأي طفل في العالم له أحلام، ومن أمثلة ذلك حديثها في إحدى مقالاتها عن عهد التميمي ومحاولتها هي وأسرتها وأهل قريتها للدفاع عن أرضهم، وكذلك كتبت عن شجرة الزيتون ومكانتها في الأديان المختلفة.

بالإضافة إلى نشاطها بقلمها، فهي تشارك في الكثير من المظاهرات الشعبية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، كالمظاهرات الاحتجاجية على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لـ"إسرائيل".

حق سلمي

وبالطبع، للناشطة الفلسطينية كلمة عن مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار، وحراك فلسطينيي قطاع غزة السلمي على الحدود الشرقية للقطاع، إذ قالت: "أؤمن أن الشعوب هي التي تحدث ثورة وتغييرًا كبيرًا، وتحقق التغيّر نحو مستقبل أفضل، كما أنها تصنع مستقبل الأجيال القادمة، وكلي تفاؤل في المستقبل، وأن السلام سيعم قريبًا".

وأضافت: "يجب على الشعب الفلسطيني أن يستمر في المقاومة الشعبية لأنه تحت الاحتلال، والمسيرات السلمية هي وسيلة ليحافظ على كرامته، ويقاوم كل الانتهاكات، ويثبت للعالم أنه صاحب الأرض، وأنه لن يتخلى عن مطالبه للعيش بإنسانية وكرامة".

ودعت فياض الفلسطينيين في الداخل والشتات إلى الوحدة، والتمسك بمطالبهم وعدم التنازل عنها والاستمرار في المقاومة الشعبية.

وأشارت إلى أن الفلسطينيين في الولايات المتحدة، ودول أخرى، قاموا بإحياء مسيرة العودة من خلال تنظيم فعاليات مشابهة، من أجل مساندة أبناء شعبهم في الداخل، ولتكوين قوة ضغط "لوبي فلسطيني" في أمريكا.

وللمشاركين في مسيرة العودة على حدود القطاع، وجّهت فياض حديثها: "الشعوب التي قاومت الاحتلال وإجراءات الفصل العنصري استمرت حتى نالت حريتها، فإرادة الشعوب أقوى من كل شيء، والمقاومة السلمية أثبتت نجاحها في الهند عندما قاوم غاندي الانتداب البريطاني، ونجحت حركات التحرر في أمريكا من أجل حريات العرق الأسود التي قادها مارتن لوثر كنج وغيرهم، فالشعوب هي التي تغير مسارات الأمم".