لقد حركت مسيرات العودة حس الانتماء لدى المواطن الفلسطيني، وهذا الانتماء لم يغب لحظة، وإن كان في بعض الأوقات قد خفت وهجه. لقد أججت مسيرات العودة روح الانتماء حيث أصبح كل فلسطيني بمثابة مبتكر لأفكار جديدة مساهمة منه لدعم هذه المسيرات، ودعم قضية العودة.
فعّل المواطن الفلسطيني دوره من خلال تقديم المبادرات الداعمة للقضية، وبالذات فئة الشباب التي لا تنفك عن الرباط على الحدود، وتقديم ما هو جديد في إطار المقاومة السلمية، فصار لدينا "قائد لوحدة الكوشوك"، وتفنن الشباب في صنع منجنيق بسيط يحاكون فيه ما عرفوه في الحروب الأولى. وتفننوا في صنع طائرات ورقية تحمل كتلا حارقة... هي أمور بسيطة يحاول الشاب الفلسطيني التعبير عن سخطه، والمطالبة بحقه بأبسط الأشياء، إذ إن المسيرات سلمية، ورغم هذا تُقابل بالرصاص وقنابل الغاز، الأمر الذي كشف عن الوجه الحقيقي للعدو الذي يتغنى بالديمقراطية والإنسانية.
عندما يذهب الشباب الفلسطيني تجاه الحدود، هم لا يفكرون بانتماءات سياسية، ولا يُجبرون على فعل هذا، فتجد الجريح منهم والذي أصيب في أيام سابقة قد وقف على الحدود مع من وقف غير عابئ بإصابته، وتجد الشاب الذي يحاول توثيق ما يجري بكاميرا جواله البسيطة.
إن ما أحدثته مسيرة العودة من لحمة بين أفراد الشعب جعلتها تتقدم باتجاه الاستمرارية، فهي حراك شعبي سلمي بامتياز، يخلو من الحزبية والفصائلية رغم انفتاح المسيرات على مشاركة الجميع. لقد حققت مسيرات العودة الهدف الأول منها، ألا وهو تأجيج الحس الوطني، وأثبتت أن روح الانتماء لم تزَل بخير، وأثبتت لكل من وقف في وجهها بداية انطلاقها أن المواطن مدفوع من جراء نفسه، بما حتمت عليه نفسه لدفعه نحو واجبه الوطني بعيدا عن كل المناكفات السياسية التي باءت بالفشل، وأثبتت المسيرات شعبيتها من خلال الالتفاف الشعبي حولها.
الانتماء الذي تأجج في روح المواطنين جعل الكثير منهم يتبنون عدة مبادرات تصب في صالح سلمية المقاومة وبالأحرى دعم مسيرة العودة، فأقيمت حلقات التحفيظ على الحدود، ورحلات بشتى أنواعها "شبابية، نسائية، اطفال" كلٌ يتسابق من جهته في الحفاظ على جذوة مسيرات العودة مشتعلة، والذي هو أحد أهم العوامل لنجاحها.
أثبت الغزيون أن ما يقودهم تجاه التضحيات هو واجبهم الوطني، لا تحزب ولا فصائلية. كل من أفراده يحاول أن يفوز بدور يعزز من خلاله مغزى المسيرة، هذا الدور ليس منوطا بالشباب فقط بل بكافة افراد المجتمع "نساء، شيوخ، أطفال، شباب" فليس هناك من فرض جبري ولا عصا، بل دافع لا يستطيع العالم حل شيفرته، هذا الدافع الذي يتعرض فيه الشخص للخطر وهو لا يبالي، إيمانا منه بقيمة دوره ولو صغر أو كان بسيطا.
الثورات السلمية والحراك الشعبي هو الكاشف الأول بل هو الترمومتر لقياس حجم الانتماء، وقد أثبت الغزيون من خلال مسيرات العودة بكل تفاصيلها أنهم يتمتعون بقدر كبير من هذا الانتماء، ولا يزالون يبتكرون كل جديد للتعبير عن فعاليتهم ودورهم.
الانتماء يعني: أن تكون لديك القدرة على حماية شيء تحبه، وألا تقبل له هوانا ولا تنام لك عين إلا بعد تقديم ما لديك لرفعته والذود عنه.