قنص الطفل محمد أيوب من قبل قناص في الجيش الإسرائيلي فتح ملف القنص وقادنا إلى حيث القناص الفلسطيني الأشهر في تاريخ الصراع وهو ابن سلواد ثائر حماد، الذي قنص ببندقيته القديمة تسعة من الجنود الإسرائيليين المتواجدين على حاجز عسكري في وادي الحرمية والمقام من أجل التنكيل والتنكيد على المسافر الفلسطيني.. ومن المعروف والمثبت في هذه الحادثة الشهيرة أنه وأثناء القنص جاءت سيارة مستوطنين تقل من هم بلباس مدني ومعهم أطفال فتوقف القنص الفلسطيني وخرج أطفالهم بسلام، رغم أنهم كانوا لقمة سائغة وعلى مرمى النيران للقناص الفلسطيني المحترف.. بالفعل كان محترفا في قنص الأخلاق الإنسانية العالية قبل أن يحترف قنص أرواح محاربيه.
تربى ثائر حماد في سلواد حيث البيئة التربوية التي لا تورث من حالة الظلم والقهر والخروج عن الأخلاق الإنسانية الكريمة والوصول إلى حالة الطغيان.. عاش ثائر ظلم الاحتلال، رأى بأم عينه دم الشهداء الذين يقتلهم الجيش الإسرائيلي بدم بارد وكان منهم عمه الذي قتلوه في انتفاضة الحجارة، رأى دموع أم الشهيد وزوجة الشهيد وأطفاله وهم يتضورون ألما ولوعة، رأى وعاين ألم الاعتقال ومداهمة البيوت ليلا وتغييب الشباب في غياهب السجون دهرا.. رأى وسمع ما زلزلل أركانه وأثار بركانا في وجدانه وقرر الحرب على الأعداء، وضع البوصلة وحدد الهدف: الرد على العدوان دون أية زيادة أو نقصان، الشعور بالمرارة والقهر والمظلومية بأعلى درجاتها لم يفقده مشاعره الإنسانية النبيلة، لم يجد في ثقافة بلده أو مفردات ثورته ودينه ما يدعوه للانتقام من أجل الانتقام أو ما يجعله يتجاوز حد الرد على العدوان، لم ينفصل عن أخلاقه التي تربى عليها رغم ضغط طغيانهم، بقيت الأخلاق معه حالة سلمه وحالة حربه فكان منه هذا التصرف الذي دل على هذه الروح الإنسانية النبيلة العالية.
قناصهم كيف سمح لنفسه أن يصوب بندقيته على رأس طفل؟ الطفل مسالم جدا، وقع عليه ظلم تاريخي بحيث نشأ في مخيمات البؤس والشقاء، بينما أرضه ينعم بها المحتل ينظر إليها من بعد، لا يصوب مدفعا رشاشا ولا يحمل حتى حجرا، بينما من ابتعدت عنهم بندقية حماد مستوطنون، اغتصب أهلهم الأرض وأقاموا عليها بنيانهم وهم كذلك جنود احتياط ومع ذلك تبتعد عنهم البندقية الفلسطينية لأنهم فقط أطفال الذنب ليس ذنبهم.. وعلى حد قول ليبرمان وزير حربهم بأن حماس تختبئ خلفهم وترسلهم دروعا بشرية، يا للصفاقة ويا للفارق بين أخلاقنا وأخلاقكم؟ هل هذا يعطيك العذر بقتل طفل؟؟ لماذا لم يقل مثل هذا قناصنا فقتل أطفالكم؟؟ الحقيقة أن هذا الليبرمان قد تعود على القتل والدم والأطفال الفلسطينيين عنده لا يستحقون الحياة.. هذه هي حقيقتهم القائمة على شواهد لا تعد ولا تحصى، وهذا يقودنا إلى الحقائق التالية:
- الذي قنص الطفل محمد أيوب وغيره من المدنيين هو الحكومة الإسرائيلية وصانع القرار فيها، القناص الذي أطلق النار هو من نفذ الأمر، بينما من أصدر الأمر هو هذه الدولة القاتلة والتي بكل صلف ووقاحة أيضا تأتي لتبرر الجريمة.
- الدافع لهذا القتل المريع هو ثقافة الجريمة والسادية المفرطة التي تربى عليها هذا الجيش، ولنا أن نعد من الشواهد ما لا حصر لها، ابتداء من مجازر الثمانية وأربعين وحيث كان القادة المؤسسون لهذه الدولة قادة المنظمات والعصابات المسلحة التي أوغلت في الدم الفلسطيني، ومرورا بكل عدوان كانت ترتكبه فتقتل الآلاف من المدنيين جلهم من الأطفال والنساء، الحروب على لبنان وصبرا وشاتيلا وقانا وعلى غزة والقنابل الفسفورية التي ألقيت على مدارس الأونروا وفي الضفة واجتياح جنين وقتل محمد الدرة وأبو خضير وحرق أطفال عائلة دوابشة.. والقائمة طويلة.
- عدا عن ثقافة هذا الجيش فإن البناء النفسي والتركيبة التي يجيد تمثيل دور الضحية المتوارثة وفي نفس الوقت تمارس دور الجلاد. هناك حقد وجداني دفين يقومون بتنميته وتربيته ليبلغ مداه فينتج هذه الجريمة، المتتبع لمناهجهم المدرسية يرى صورة العربي بطريقة مريعة خاصة في المدارس التلمودية، حيث يصف حاخاماتهم الفلسطينيين بالأفاعي والصراصير وهكذا كانوا يشجعونهم على القتل قبيل الحروب التي خاضوها على غزة.
- بالمقابل لا تجد في ثقافتنا الفلسطينية والعربية من يجيز قتل طفل، لا في دين ولا تربية وتعليم ولا تربية خاصة أو عامة، لا تجد من يجيز أو يبرر هذه الجريمة على الإطلاق.
شتان بين قناصنا وقناصكم. قناصنا تحكمه الأخلاق العالية، بينما الأحقاد تملأ صدر قناصكم فلا يرى له هدفا إلا رؤوس أطفالنا.