فلسطين أون لاين

​"مسؤول وحدة الكوشوك"

مصعب القصاص.. الإصابات الأربع زادته قوّة

...
غزة - نسمة حمتو

كان يبدو أكثر قوة وصلابة في كل مرةٍ يتعرض فيها للإصابة، لا ترهبه رصاصات قناصة جيش الاحتلال، فكان يقاومها من نقطة صفر، وبعد كل إصابة يتلقّاها جسده النحيل، لا يشعر بالألم فقط، بل بالقوة أيضًا، فيعود إلى المنطقة الحدودية قبل أن تلتئم جراحه، كي يثبت للاحتلال أن أسلحته لا تساوي شيئًا أمام شجاعة الشباب الفلسطيني، فبينما عدة أجزاء من جسده مُغطاة بـ"الشاش الطبي" لتضميد إصاباته، تجده يتحرك بكل اطمئنان بجوار السياج الفاصل، غير آبهٍ بجنود الاحتلال المتمركزين خلفه، وإذا ما ألقوا قنبلة غاز مسيل للدموع، فهو يستقبلها بطريقته الخاصة، إذ يضعها في فمه تاركًا دخانها الأبيض ينبعث نحو السماء، في مشهدٍ يثير الدهشة.

إصابات متتالية

الشاب مصعب القصاص، المُلقَّب بـ"مسئول وحدة الكوشوك في قطاع غزة"، مشاركٌ دائم في خيام العودة، على الحدود الشرقية الفاصلة بين قطاع غزة وأراضي الداخل المحتل، يطالب بحق عودة اللاجئين، رغم أنه ليس لاجئا، "فالأرض للجميع كما يقول والنضال واحد مطلوب من كل الشباب"، كما قال.

وأضاف القصاص (26 عامًا) في حوار مع "فلسطين": "تعرضت للإصابة أربع مرات منذ انطلاق مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار، في المرة الأولى أُصبت بقنبلة غاز في بطني ما تسبب في حدوث نزيف داخلي، وهو ما اضطرني لقضاء يومين في المستشفى لصعوبة وضعي الصحي، وخرجت منها إلى الحدود مباشرة".

لم يتوقف الأمر عند هذه النقطة، بل تعرض القصاص لإصابة ثانية في كتفه اليمين بعد أسبوع من الإصابة الأولى، ما أدى إلى رضوض في كتفه وآلام حادة، ولكنه لا يزال مستمرًا في نضاله حتى اليوم.

وأوضح: "بعد يومين من الإصابة الثانية، أُصبت مرة ثالثة بقنبلة غاز في نفس الكتف، عانيت من آلام حادة، إلا أن هذا الألم يعطيني عزيمة وقوة أكبر من أجل استمرار المشاركة في المسيرات".

الإصابة الأخيرة كانت غريبة بعض الشيء، عنها قال: "في الجمعة الأخيرة، جمعة الشهداء والأسرى، ناضلت من أجل الوصول للسلك الزائل، وكنت قد اتفقت سابقاً مع الشباب الموجودين في المكان على أنني سأصل للسلك، وأربطه بحبل طويل ثم يقومون بسحبه بقوة باتجاههم".

وأضاف: "أبلغت الشباب أنني سأعطيهم إشارة بأنني انسحبت، ليسحبوا السلك بعد انسحابي كي لا أتعرض للإصابة، ولكنهم نسوا أمر الإشارة، فقاموا بشد السلك بقوة، وبالتالي تم سحبي معه، ولم يروني بفعل دخان إطارات الكوشوك المشتعلة في المكان، وكانت النتيجة أكثر من 70 غرزة في يداي، غير الرضوض التي أصابت كامل جسدي".

رغم الإصابة الخطيرة التي تعرض لها "مصعب" وآلام "الغرز" التي اخترقت جسده، إلا أنه عاد بعد ساعتين من الإصابة ليسحب سلكًا آخر، غير ملتفت لما يعانيه.

وأكّد: "الوطن غالٍ، ونحن لسنا أصحاب شعارات، ولا ندع الخوف يغير مسارنا، فنحن فلسطينيون ويجب أن ندافع عن أرضنا، ولو كان الثمن روحي لن أبخل بها، وفلسطين كل يوم تنجب أبطالًا".

قنبلة في فمه

"مصعب" هو ذات الشاب الذي انتشرت صورًا ومقاطع فيديو له على مواقع التواصل الاجتماعي وهو يضع قنبلة غاز في فمه فيما لا يزال الدخان الكثيف ينبعث منها، يركض بها في المكان متحديا الاحتلال، في حين وجهه مغطى باللون الأسود، ما يجعل المشهد أكثر تميزا وإثارة للإعجاب.

وأوضح: "وضعت القنبلة في فمي كي أوصل رسالة للاحتلال مفادها أن الشعب الفلسطيني لا ترهبه القنابل السامة التي تسبب أمراضًا خبيثة، وكذلك الحال بالنسبة لكل أنواع الأسلحة، حتى الرصاصات المتفجرة التي تتسبب ببتر أقدام شباب في مقتبل العمر".

يقضي مصعب يومه كاملاً في مخيم العودة، حتى أنه يبيت في الخيام الموجودة هناك، دون خوف أو تردد، ولا يعود إلى بيته إلا لوقت قصير بين حينٍ وآخر.

وعن ذلك، قال: "أشعر بالراحة وأنا موجود في هذه الخيام، وأشعر بحرية أكبر عندما أكون في وجه الجنود، بينما عندما أكون في منزلي أشعر بالقلق والخوف".

وعن رأي عائلة مصعب في مشاركته في المسيرات رغم تكرار إصابته، قال: "كل أفراد أسرتي مستعدون لتقديم أرواحهم من أجل فلسطين، جميعهم يشاركون في المسيرات، فنحن نؤمن أن الإنسان يجب أو يوكل أن أمره إلى الله تعالى، وبالتالي يقف من أجل كرامته وحب فلسطين، دون أن يهاب العدو الصهيوني وأسلحته".

وأضاف: "أقف دائماً في المقدمة، لأن القائد يجب أن يكون على خط النار في الميدان ليعطي قوةً ومعنوية عالية وإصرارًا للشباب معه، حتى لو بُترت أطرافي سأظل على العهد، سأوصل الرسالة رغم الحصار والحرمان وعدم وجود فرص عمل، فكلها عوامل تزيد تمسكنا بالأرض".

طرق مختلفة

وعن فكرة إشعال إطارات "الكوشوك،" قال: "أردنا من خلالها أن نمنع الرؤية عن جنود الاحتلال حتى لا يرونا ولا يقنصوا الشباب المستهدفين، وبالتالي نتمكن من قص السلك الزائل، وسيأتي يوم سنتمكن فيه من إزالة هذا السلك بقوة والعودة إلى أراضينا".

وأضاف: "وحدة الكوشوك ليست الإبداع الوحيد للشباب المرابطين على الحدود، فقد ابتكروا طرقًا مختلفة لحماية أنفسهم وإرباك الاحتلال، وهذه الأفكار تأتي بسبب الحصار المفروض علينا منذ سنوات، والبطالة التي نعانيها، فهذه الصعوبات لا توقفنا عن التفكير، بل تدفعنا لمزيد من الإبداع في إيجاد وسائل جديدة، نحن مستعدون لفعل كل ما باستطاعتنا لتحرير أرضنا".

وتابع: "الطائرة لا تكلفنا سوى ثلاثة شواقل فقط، ولكنها في المقابل تكلف الاحتلال مبالغ أكبر بسبب الحرائق التي تنتج عنها".

وواصل: "سببت طائراتنا حرائق في المناطق المحتلة، لكننا لم نكتفِ بهذه النتيجة، إذ قررنا أن نطوّر عملنا، ونجعله أكثر دقّة، فعلّقنا في الطائرة كاميرا لنحدد المكان الذي نريده".

وأوضح القصاص: "نظّمنا حملة لجمع التبرعات في المحلات والأسواق، بحيث يتبرع الفرد بشيقل واحد فقط، ومن خلالها جمعنا مبلغًا كبيرًا من أجل شراء الوقود للسيارات التي تنقل الكوشوك إلى المناطق الحدودية، واشترينا أيضا الورق والأخشاب لصناعة الطائرات الورقية".

وأكّد: "الشعب الفلسطيني في القطاع لا يبخل بأي شيء من أجل استمرار المظاهرات، فالفلسطيني حتى إن كان لا يملك الكثير من المال، فهو يتبرع بقدر استطاعته".

وبيّن: "نحاول في كل جمعة ابتكار مفاجآت جديدة، لنثبت من خلالها للعالم أننا أصحاب أرض، وأننا بسلميتنا سنسترجع أرضنا التي سلبها منا الاحتلال، وكذلك لكي نفاجئ الاحتلال بها، ليعم أننا بدأنا بالحجر وانتقلنا لإشعال الإطارات وحرق العلم الإسرائيلي، ثم استخدمنا الطائرات الورقية، إمكانيتنا بسيطة جدًا ولكنها تربك الاحتلال"، مشددا: "نفعل ذلك من أجل عدم المساس بكرامة الشعب الفلسطيني، لن نسمح لأحد بأن يدوس علينا، لن نتراجع عن مظاهراتنا السلمية حتى نحصل على مرادنا، كفى ما عانيناه على مدار السنوات الماضية".

وقال القصاص: "حتى الآن نتحرك بشكل سلمي، رغم أن الاحتلال يتهمنا بأننا إرهابيون، لا نقاتل بسلاح أو دبابات، بل بأدوات بسيطة وسلمية، وبها سنحصل على حقوقنا".

وتابع: "فرقتنا السياسة، وجمعتنا مخيمات العودة، جمعنا حب الوطن وفلسطين، أصبحنا نفكر كيف نشغل قناصة الاحتلال عنا".