تتجلى قصة القبرة التي وقعت في يد الصياد بتجلياتها الجديدة عبر إبداعات مسيرات العودة.. إذ يحكى أن القبرة التي تمكن صياد من صيدها قالت له وهي محاصرة من كل جانب بقبضته القوية التي تفوق قوة القبرة أضعافا مضاعفة، سأنصحك ثلاث نصائح خير لك من لحم قبرة لا تغدو لقيمات ولا تسمن ولا تغني من جوع.. على أن تطلق سراحي: الأولى وأنا في يدك والثانية وأنا على الشجرة والثالثة وأنا طائر بعيدا في الهواء.. أما الأولى: فلا تصدق كل ما تسمع.. أعجب الصياد بحكمة القبرة وما أسدت له من نصيحة فأطلق سراحها.. قالت الثانية وهي على الشجرة: لا تندم على ما فات.. ثم حلقت قليلا وقالت له تختبره: في جوفي جوهرة لو ذبحتني لصرت غنيا.. عض أصبعه ندما على ما فاته فيما لو ذبح القبرة.. قال مغلوبا على أمره هات الثالثة: قالت: لم تعمل بما نصحتك به في الأولى والثانية: صدقتني بأن في جوفي جوهرة بينما كنت في يدك خفيفة.. طمعك أعماك عن رؤية الحقيقة.. وندمت سريعا مخترقا النصيحة الثاني.. لذلك فقد قررت أنك لا تستحق الثالثة.
وهذا حال الاحتلال مع غزة.. كانت محتلة وتخضع لحكم عسكري صارم وتمكنت انتفاضة غزة ومقاومتها من جعل كلفة الاحتلال باهظة فقرر التخلي عن الاحتلال المباشر واستبداله بالحصار الخانق، خرج من الباب ولم يعد من النافذة فحسب بل حاصرها من كل جانب، وهنا خرجت له غزة من جديد لتقل له: لا تصدق كل ما سمعت عن غزة بأنها ستنكسر وتذل أمام حصارك سواء ما سمعته من جاهل بغزة أو خبير بها: ها هي الحقيقة الساطعة من جديد تسقط كل الرهانات وتسقط كل الأقاويل والتأويلات والتحليلات السياسية والاقتصادية المجنحة، بل تسقط كل ما قيل عن ثبوت حق الاحتلال في أرض فلسطين كلها: مسيرات حاشدة تعود بك إلى مربعك الأول حيث هجرت وقتلت ودمرت وقمت بالتطهير العرقي في قلب العالم العربي والإسلامي، في هذه البقعة المقدسة من العالم وعلى الملأ مارست إجرامك وصدقت نفسك بأنك صاحب حق وأن فلسطين خالية من شعبها خالصة لك.. لا لا تصدق كل ما سمعت وتسمع من أهل الباطل والذين أنت أولهم إفكا وافتراءً ومماراة وصلفا وتزييفا للحقائق.
وواضح أنه قد ندم على أن ترك غزة وشأنها بعد انسحابه الظاهري منها وراح يلعب بأوراقه الخبيثة سواء كان على المستوى المحلي في الداخل الفلسطيني على قاعدة فرق تسد وصب الزيت على نار الانقسام مع تشديد الحصار على غزة والضغط الاقليمي لقطع غزة عن عمقها العربي، وكذلك ما تقوم به من على الصعيد الدولي ووصف غزة بالإرهاب بينما عدوانها وحروبها المدمرة نسائم السلام على غزة.
بقي للاحتلال أن يستمع من غزة النصيحة الثالثة وهو سادر في غيه، غزة الآن رسالتها بالفعل لا بالقول وهو لا يريد أن يفهم هذه الرسالة.
رسالة غزة ونصيحتها الثالثة تقولها إبداعاتها المتتالية:
في غزة أناس ولدوا من رحم أمهاتهم أحرارا.. وفي غزة ثقافة وتربية ترعى هذه القيمة العظيمة: الحرية.. لن تتراجع لن تعود إلى الوراء.. ما كان سائدا أيام ما قمت به أيها الاحتلال من ثقافة ووعي أيام هزيمة ثمانية وأربعين لم يعد قائما: اليوم الثقافة السائدة في غزة ثقافة الحرية والروح روح الانتصار وهذه لن تغلب أبدا بإذن الله.. بينما هذه المسيرات تعيد لك ذاكرتك إلى حيث أجرمت بحق هؤلاء ووطنهم بكل ما فيه من مدن وقرى مهجرة وسهول وجبال وصحارٍ وهضاب.. أنت احتلال مغتصب ولست مجرد صياد طامع.. اندم ما بدا لك الندم وصدق كل أفاك أثيم.. طالت الأمور أم قصرت حقنا يجب أن يعود إلينا وما زال بجعبتنا الكثير الكثير من الإبداعات وذلك أن في غزة والقدس والضفة شعب حر يستحق الحياة الحرة الكريمة.