وصلتني دعوة للحضور موقّعة من الأخ "أبو الأديب الزعنون" رئيس المجلس الوطني، وكوني أعتز بعضوية المجلس والانتماء إلى منظمة التحرير كإطار جامع للشعب الفلسطيني يقود نضاله العادل إلا أن الرياح العاصفة والمياه الآسنة التي تعصف بالقضية الفلسطينية والتي أعادتها إلى عقود تجعل التفكير بالدعوة يحتاج إلى المصارحة الواجبة، وليعذرني القارئ إذا كان للجانب الشخصي إشارة في هذه العجالة، وفي الجانب الثاني هذا ليس ردا على من يمارسون ضغطا للحضور، وأنا شاكر لهم على حثي على الحضور إلى عاصمة الفعل رام الله في هذا الشأن بمقولة “عدم التخلي عن المنظمة”.
وعودة للبدايات أقول لهم: إن والدي توفي وطوال عمره كان عضوا في المنظمة ويحمل في جسده شظايا وآثار رصاص بعض المعارك، وأخي الشهيد مبارك استشهد في معركة الدفاع عن غزة تحت علم منظمة التحرير كضابط في جيشها (جيش التحرير)، ولم يكن لي دور في عرس الدم إلا أننا تحت الاحتلال الطويل كنا سدًا منيعًا للدفاع عن المنظمة وقرارها سواء في الانتخابات النقابية في مواجهة من حاولوا الحلول محل المنظمة.
ولقد آزرنا المنظمة من الداخل بقوة خاصة عام 1974م في مؤتمر الرباط حين وجهنا رسالة قوية من الداخل إلى القمة بأن المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وأفتخر أنني كنت ربما أصغر الموقعين سنًا من غزة للرسالة، وكنا نعلم ماذا تعني عضوية منظمة التحرير في ظل الاحتلال، وكان سيف السجن طويلا لزجنا خلف القضبان بتلك التهمة، ولم نتردد ثانية لحمل لواء المنظمة.
كان لا بد من ذكر ما سبق؛ لأن الهذر والكلام والتوصيف الذي رافق الدعوة للمجلس في رام الله، كان صاخبًا وغثًا كـ”الزبد”، وها هي أسبابي:
أولا: مكان الاجتماع: أذكر باختصار أن دورة عقدت للمجلس الوطني في الجزائر التي كانت ولا تزال السند الذي لم يهتز أبدًا في تأييد القضية الفلسطينية، بمقولة الشهيد هواري بو مدين: “الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”، ولقد فوجئ الحضور وهذه رواية أنقلها عن الشهيد أبي عمار بوجود وفد “البوليساريو” في الصفوف الأولى مما يعني القطيعة مع المغرب، وهذا ما لا تريده منظمة التحرير ورئيسها، ولكنها كما عقب أبو عمار مستذكرا أنها دكتاتورية الجغرافيا، وهنا لا نقارن، فما بالنا تحت الاحتلال الذي التهم الضفة والقدس ولم يَبق للسلطة المنظمة للاجتماع إلا شكل وبعض أضلاع الإطار لصورة مشوهة، وأترك الشرح لفطنة القارئ.
ثانيًا: الحضور، من قال إن الحضور يمثل الشعب الفلسطيني بصدق، مع احترامي للأسماء المدعوة؟ وأترك أيضًا للقارئ رؤيته ورأيه، وأعود هنا إلى ذاتي كمدعو، إذا كنت سأشارك على فرضية القبول، فمن هم الذين أمثلهم؟ أليسوا أهل غزة؟ فكيف يطاوعني شرفي الوطني وشعب غزة يتلقى حربا شرسة على لقمة عيشه اقتربت أن تفقده كرامته وهو يبحث عن رغيف خبز أو أن يؤمن أطفاله للذهاب إلى مدارسهم وهي قصة مخزية محزنة غير مبررة تسعى لتمرير شيء ما؟!
وسبق وأن كتبت في هذا المنبر (التجويع بقصد التركيع)، وأسوق مثلا بسيطًا، هناك مؤسسة كبرى اسمها “الحق في الحياة” تقدم خدمة لعدد من المعاقين (حوالي 1200 طفل) يخدمهم عشرات الموظفين بتفاني، توقف عملها لقطع رواتب موظفيها.
هل من فعل هذا يفكر بطريقة النازي الذي يرى المعاق عالة ويجب التخلص منه!! قذف 1200 طفل في هذا الزمن الصعب في وجه أسرهم وإلى الشارع، ألا يشكل جريمة لا تغتفر؟ ومبرر مرتكبها أكثر عداوة من عدونا وقس على ذلك.
غزة تُذبح من الوريد إلى الوريد، ويتساقط شهداؤها بالرصاص والراتب. هل يبقى في وجهنا دم بعد هذا؟ وهل لنا أن نطفو على جثة وطننا؟!
ثالثًا: من يميز بين المنظمة والسلطة، ألم تصبح السلطة سيدة المنظمة وتستدعي اسم المنظمة لتغطية عوراتها؟ أليست السلطة الآن سيدة من سيحضرون؟ وأضرب مثلا واحدًا، ألم تحل وزارة الخارجية ووزيرها بدل الدائرة السياسية للمنظمة؟
وأقصيت معظم عناصر المنظمة في كل أماكن تواجد الجاليات الفلسطينية، وتمادت الوزارة في السيطرة بطريقة الترهيب والترغيب، وأنظروا إلى قوائم فلسطينيي الخارج والتي وضع معظمها سفراء السلطة الذين يقفوا على رجل واحدة في المطارات استقبالا لزيارة وزير خارجية السلطة، والسؤال هل بقيت المنظمة ومجلسها مرجعية السلطة وأفعالها؟
وأخيرًا.. كيف يكون مجلسًا توحيديًا ونصف المكون الفلسطيني غائب، وأحيل إلى آراء من سبقوني وكتبوا في هذا الشأن.
ومطلبي أن يعاد النظر في انعقاد المجلس ويتم التأجيل والبحث عن دولة عربية أو غير عربية تستضيف الوطني، وأقترح “فنزويلا أو دمشق أو الجزائر” إن لم تكن تناسب غزة.