قائمة الموقع

القائد أحمد سعدات.. حكاية قوة ممزوجة بالحنين للأحفاد

2018-04-20T08:47:22+03:00

عبر صورة فقط يستطيع أن يمارس دور الجد مع أحفاده؛ صورة عُلقت فوق سرير في زنزانة الاحتلال، يحدق نظره بها قبل أن يخلد لنومه يومياً، يتخيل من خلالها كيف يتعلق الحفيد بجده ويحتضنه أثناء مداعبته واللهو معه عله يحقق هذا الحلم الذي يراوده طيلة فترة بقائه في السجن.


هكذا هي اللحظات المؤلمة التي تساور الأمين العام للجبهة الشعبية الأسير أحمد سعدات، وشوقه لأحفاده الثلاثة الذين أبصروا نور الحياة ولم يرووا تقاسيم وجهه إلا عبر الصور ومن خلال أحاديث جدتهم عبلة ريماوي "سعدات" (60 عاماً) وهي زوجة الأسير أحمد سعدات، وتكنى بـ"أم غسان".


لوعة الفراق والشوق تزداد يوما بعد يوم، بين هؤلاء الأحفاد، الذين لا يعرفون جدهم إلا من صوته عبر الهاتف، في ظل منع سلطات الاحتلال الاسرائيلي زيارتهم تحت ذريعة "أنه لا يجوز للحفيد زيارة جده"، كما تقول زوجة سعدات.


الحفيدة ميار (خمسة أعوام) تخط بأناملها البريئة تجاعيد وجه جدها المُنهك من سجون الاحتلال على ورقة بيضاء صغيرة كي تبقى حاضرة في ذهنها، وتردد في حينها "بدنا نحارب الاحتلال حتى نطلع جدي من السجن"، حسبما تروي "أم غسان" لصحيفة "فلسطين".


اللهفة لدى الجد (سعدات) تتضاعف، لاسيما أنه لم يداعبهم منذ أبصروا نور الحياة وأصبح ذلك مجرد أمنية فقط، في حين أنه عرفهم عبر الصور التي كانت زوجته تخبأها له أثناء زيارتها الشهرية التي لا تزيد مدتها عن 45 دقيقة فقط، تروي "أم غسان" لوعة الجد لرؤية أحفاده.


وولد سعدات عام 1953 في قرية دير طريف في الرملة، نزح مع أسرته إلى مدينة البيرة ودرس في معهد المعلمين في مدينة رام الله وحصل على شهادة دبلوم في علم (الرياضيات) تعرض للسجن عدة مرات، واشتهر إعلامياً بمعاداة الفكر الصهيوني.


وظهر سعدات في أول خطاب له بعد توليه الأمانة العامة خلفاً للأمين السابق أبو علي مصطفى بعد اغتياله، وأعلن عن مبدأ الجبهة الشعبية وهو (العين بالعين والسن بالسن والرأس بالرأس).


ويُعرف عن القائد سعدات قوته وصلابته وإصراره على مواصلة النضال الذي قضى عمره لأجله.


ومن صفات سعدات التي تذكرها زوجته، "رجلٌ متواضع ومتعاون ومثالي في حياته، ويحترم المرأة ونضالها، ويكره البرجوازية في التعامل مع الناس".


الاعتقال

في 14 مارس 2006، اقتحمت قوة عسكرية احتلالية سجن أريحا الذي كان سعدات يتواجد فيه مع أربعة من مرافقيه، واعتقلته بعد حصار دام 12 ساعة.


وكانت السلطة الفلسطينية اعتقلت سعدات في 15 يناير 2002 في الضفة الغربية بتهمة "تهريب الأسلحة"، وأودعته سجن أريحا مع المتهمين بقتل وزير السياحة في حكومة الاحتلال رحبعام زئيفي، تحت رقابة أميركية وبريطانية.


وتحكي عبلة زوجة سعدات، أن إدارة سجون الاحتلال مارست ضغوطاً نفسية وجسدية منذ بداية اعتقاله، وأبقته في العزل الانفرادي ثلاث سنوات، إلى أن خرج منه، بعد خوضه إضراب عن الطعام برفقة 18 آخرين.


كانت إدارة سجون الاحتلال تنقل القائد سعدات من سجن إلى آخر بين الفينة والأخرى، وفق حديث زوجته، الأمر الذي يهدد حياته بالخطر، نظراً لأنه يعاني من "الحساسية" وضيق التنفس، إلى أن بقي الآن في سجن ريمون.


وتوضح أن زوجها يعاني من بعض الأمراض، مثل ضيق في التنفس، ومرض في القولون، و"دسك" في رقبته وظهره، ويحتاج إلى متابعة مستمرة.


وتصف أم غسان، التي أعالت عائلة من أربعة أفراد، زوجها بالشجاع حينما انتزع حقه من أنياب السجان الاحتلالي، قائلة: "كل شيء يجب أن ننتزعه انتزاع من الكيان الصهيوني، داخل السجن وخارجه (..) هكذا ناضل أحمد، من أجل استعادة حقه وكرامته".


وكغيرها من عائلات الأسرى، فإنها تكتوي بعذابات الاحتلال وحرمان بعض أفراد عائلتها من زيارة الأسير، وتقول بشأن ذلك: "لا يُسمح سوى لي وابني غسان فقط بزيارته، لأننا نحمل الهوية الفلسطينية المقدسية، لكّن بقية العائلة لم تتمكن من زيارته".


"أكثر ما يعذبنا كعائلة أسير، هو الاعتقال والحكم الطويل الصادر بحقه، كونه ناضل معظم حياته في سجون الاحتلال، وغاب عن بعض الأفراح والأتراح الخاصة بالعائلة، إضافة إلى وفاة والديه واستشهاد شقيقه وهو في السجن"، تحكي عن معاناة عائلة سعدات في غياب زوجها.


ومع ذلك فإن معنويات القائد "أبو غسان" عالية جداً، والحديث لزوجته عبلة ودائماً يسأل عن الأهل والوطن، رغم ضيق مدة الزيارة البالغة التي لا تتعدى الـ 45 دقيقة، مرة شهرياً.


وفي ذكرى يوم الأسير التي توافق 17 أبريل/نيسان، أرادت الستينية التأكيد على مواصلة طريق زوجها، والدعوة لوحدة الشعب الفلسطيني في ظل ما يحاك ضد القضية الفلسطينية في الوقت الراهن.


وتبعث رسالة للقادة: "نقول لكل المسؤولين لا تضيعوا نضالات الشعب الفلسطيني سدى، وكونوا متماسكين".


وتفيد أم غسان، بأن زوجها الأسير بصدد إطلاق كتابه "صدى القيد" في 25 من الشهر الجاري، الذي يحكي فيه تجارب حياة مناضلين كانوا في العزل الانفرادي، ويُحضر لكتابة كتابين آخرين.


تفاصيل مؤلمة

لحظات صعبة أخرى عاشت تفاصيلها صمود سعدات (32 عاماً) ابنة القائد أحمد، التي حرمها الاحتلال رؤية والدها ومنعها من زيارته منذ أسره سوى مرة واحدة في 2015، بعد ضغوطات مارسها سعدات على إدارة السجون.


وتروي صمود التي تعمل باحثة في مؤسسة الضمير لرعاية الأسرى، تفاصيل تلك الزيارة المثقلة بالمشاعر والأحاسيس، "المشهد كان صعب كثير، والزيارة مثل الحلم، بعد حرماني من رؤية والدي تسع سنوات".


45 دقيقة فقط مدة الزيارة، لكنها حملت في طياتها مشاعر إنسان محروم من عاطفة الأبوّة منذ سنوات طويلة، "كم هي قاسية لحظات رؤية والدي، ولم اتمكن من احتضانه نظراً لوجود لوح زجاجي يفصل بين الأسير وأهله (..) لم أكن اتخيل ذلك مطلقاً".


لكّن صمود بدت متماسكة، تحبس دموعها حتى تثبت للسجان الاحتلالي كم هي قوية وأن والدها سيخرج من السجن بصفقة مشرفة، تقصّ لحظات رؤيتها لوالدها وهي مراقبة من إدارة سجون الاحتلال.


أما الجانب الآخر المُشرق من الزيارة كما تقول صمود "أننا تمكنّا من الزيارة رغم أنف الاحتلال وقسوته (..) وحاولت خلالها تجديد الأمل بأن القادم أجمل بإذن الله".


تصف ابنة سعدات سياسات الاحتلال بحق الأسرى بأنها "جريمة، تدلل على أنه محتل يفتقد لكل مقومات الانسانية، وحرمان الأسير من أي تواصل مع أهله".


وعلى شرف يوم الأسير الفلسطيني، تُبرق بالتحية لكل الأسرى الصامدين خلف قضبان الاحتلال، لاسيما الذين تم أسرهم منذ سنوات طويلة، معتبرةً إياهم بوصلة القضية الفلسطينية، وأساسا في النضال الوطني ضد الاحتلال.

اخبار ذات صلة