فلسطين أون لاين

بـ"المقلاع".. سيتذوق الحفيد برتقال يافا

...
غزة - شيماء العمصي

امرأة خمسينية ترتدي ثوبًا فلسطينياً مطرزاً بخيوط الحرير الحمراء، عاصبة جبينها بكوفية سوداء، ومظهرها يختصر حكاية الشعب المشرد, تحمل في قلبها آمال الرجوع إلى يافا لتمسح الحزن عن برتقالها، حالها كحال عشرات النساء اللواتي دفعهن الحنين إلى الوطن للمشاركة في مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار.

الغالي والنفيس

الحاجة "أم سمير الحديدي"، تحمل مفتاح البيت الذي ورثته عن والدها، بدأت حديثها عن يافا وعيناها تلمعان من أثر دموعٍ تتساقط على وجنتيها، طيف لا تدمع وهي تتحدث عن "يافا" التي سمِعَت عنها كثيراً من والديها وأجدادها، يافا التي ربّت أبناءها على حبها، وزرعت فيهم عشق ترابها، ودفعتهم إلى بذل الغالي والنفيس من أجلها، وها هم اليوم يرافقونها في المسيرة, فتقدموا الصفوف بصدورهم العارية أمام وحشية العدو.

لم تُثنِها عن المشاركة إصابة ابنها في إحدى الحروب التي شنها الاحتلال على قطاع غزة، تلك الإصابة التي سببت له عجزا واضحا في ركبته، لكن "قلب الأم" جعلها تتساءل كيف سيشارك بحالته الصحية هذه، مطالبة إياه: "خليك في الدار بلاش هالمرة تستشهد"، فرد قائلا: "المرة الماضية أُصِبت، وهذه المرة إما أن أحرر فلسطين أو أستشهد".

لم تلحّ الأم في طلبها، وإنما فتحت الطريق أمام ابنها دون أن تسمح لمخاوفها بالسيطرة عليها، أو دفعها لمنع أبنائها من تلبية الواجب الوطني، في مشهد يؤكد إصرار الفلسطينيين على نزع الحقوق ممن اغتصبها، وبأن الكبار إن ماتوا فإن الصغار لن ينسوا.

لم يكن أبناؤها فقط من رافقوها، بل الأحفاد أيضًا، وقد جذب كلمات حفيدها انتباه المجاورين للعائلة في مخيم العودة، فالطفل الذي يرتدي "جلبية" بيضاء و"حطة" فلسطينية يلوم جدّته لأنه لم تنفّذ الوعد: "يا ستي، مش قلتيلنا راح نرجع على البلد اللي طلع أبوكِ منها؟ ليش قاعدين في الخيمة؟, مش بدك تطعميني من برتقال يافا؟!".

على الفور تردّ الجدّة وكلّها ثقة بصدق ما تقوله: "سنرجع يا بني، طالما في فلسطين شباب ثوّار، فسنرجع إن شاء الله".

وبعد هذا الحوار، استعرض الطفل "سلاحه"، فعرض على جدته "المقلاع" الذي يحمله، وأخبرها أنه صنعه من "حزام" بنطاله، ثم كشف عن مخططه، إذ قال إنه سيضع في مقلاعه حجرا ليرميه على جنود الاحتلال الذين أصابوا أباه ذات يوم، ومن ثم تعود الأسرة كلها إلى "البلاد".

مع تنهيداتٍ متتالية، روت "أم سمير" ما أخبرها به والداها عن المجازر التي ارتكبها الاحتلال ضد الفلسطينيين، في وقت الهجرة عام 1948، ولم تكفْ عن الحديث عن أملهابالرجوع إلى موطنها الأصلي.