طوال أسبوع كامل وبعد الجمعة الثانية لمسيرة العودة لم يتوقف مسؤولو السلطة عن اطلاق التصريحات السلبية التي تعمق الانقسام الفلسطيني وتتجاهل الواقع الجديد الآخذ في التشكل والتبلور على وقع مسيرة العودة الكبرى المظفرة.
تصريحات من مستويات متعددة بعضها مرتبط بالسلطة وآخر مرتبط بمنظمة التحرير الفلسطينية تحمل في مجملها تهديدا ووعيدا لحركة المقاومة الإسلامية حماس بشكل خاص؛ في حين يراها آخرون بأنها وجه قبيح للانقسام يتضمن توظيفا غير موفق لإعاقة مسيرة العودة المظفرة، واضعا العصي في دواليب الحراك الفلسطيني الذي بدأ يأخذ طابعا دوليا واقليميا، متجاوزا الاجندة الضيقة والمشاريع الاقليمية والدولية التي تستهدف هوية ووجود الشعب الفلسطيني وحقوقه.
التصريحات والوعيد المستهدف لقطاع غزة يهدد بنزع الزخم الكبير عن مسيرة العودة والتراكم الايجابي في الفعل المقاوم الفلسطيني الذي دفع ثمنه الفلسطينيون شهداء وجرحى على مدى الاسبوعين الفائتين، واتسع نطاق تأثيره ليضغط بقوة على أعصاب الاحتلال الصهيوني الذي استنفر ادواته وحلفائه في العالم والمنطقة لإجهاض الجهود الفلسطينية الساعية لإحباط المشاريع التصفوية وعلى رأسها "صفقة القرن" التي تمس الحقوق الفلسطيني الاساسية وعلى رأسها حق العودة والقدس.
السلطة تتحرك بمعزل عن حركة الشارع الفلسطيني وحركتها توحي بإمكانية إرباكه، غير انها في الحقيقة تدفع نحو عزلتها عن حراك الشارع الفلسطيني وتوجهاته في الداخل والشتات، وهي خسارة صافية للسلطة وقيادات منظمة التحرير المتنفذة، فتوقيت اطلاق الحملة الاعلامية والتصعيد الذي تشنه السلطة مريب ومخجل في نفس الوقت ومتناقض مع التراكم الذي حققته المقاومة والفلسطينيون في قطاع غزة تحديدا.
فمنذ الانتفاضة الاولى الى الثانية تمكن الفلسطينيون من رفع كلفة الاحتلال باضطراد مستمر وكانت المقاومة المسلحة احد اوجه هذا التراكم؛ فصواريخ المقاومة افقدت الكيان توازنه وشعوره بالامن ودفعته الى جانب الولايات المتحدة الى مراجعة حساباتها في التعامل مع المقاومة كمدخل جديد بعد العام 2009؛ ما أسهم في حسابات أمنية معقدة ابرزها القبة الحديدة التي اثقلت كاهل الاحتلال.
من ناحية أخرى جاءت مسيرة العودة لتمثل مدخلا جديدا ونوعيا ادخل الاحتلال في متاهة جديدة من الاستنزاف والمناورات؛ فالتنسيق الامني ومفهوم الكيان للحل السياسي الاقليمي سواء كان تطبيعاً ام تصهيناً ذهب ادراج الرياح؛ في حين تتمسك السلطة بخيارات تبدو بائسة من خلال دعواتها لنزع سلاح المقاومة وافقاد الفعل الميداني السلمي زخمه دون ان تقدم بدائل للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات؛ فالتنسيق الأمني ليس خيارا أو بديلا مقبولا عند مجمل الشعب الفلسطيني والخضوع للمحتل وأجندته ليس فعلا سياسيا بل خضوعا وهزيمة.
تمسك السلطة بخياراتها وعلى رأسها التنسيق الامني والسلام الامريكي يزيد من عظم الفجوة بينها وبين الشعب الفلسطيني الذي يشق طريقه عبر ادوات جديدة على رأسها مسيرة العودة مبتعدا عن منهج السلطة وعرابي السلام الواهم.