في الذكرى التي تأتي كل عام لتؤكد حقنا في القدس وفلسطين (بيت المقدس وأكناف بيت المقدس)، نجد الفلسطيني يمارس في حياته اليومية الإسراء والمعراج كالآتي:
لنتذكر أولا أن حادثة الإسراء والمعراج كانت في وقت عصيب يمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كانت طريق الدعوة تبدو مسدودة والأفق ملبدا بالطغيان والجحود في مكة، فاضطر رسول الله لأن يبحث عن محضن آخر للدعوة فذهب إلى الطائف وتلقى أسوأ استقبال، وتم طرده والتنكيل به، وأغلقت الدنيا في وجه صاحب الدعوة والحق اللذين جاء بهما من السماء ، لم يعد هناك أحد يريد ان يسمع عدا عمن يريد ان ينصر ويؤيد . جاء الإسراء والمعراج هدية السماء لرسول الله في ظل انسداد الأفق وغرق الناس في الظلمات ، وها هي القضية الفلسطينية كذلك في حالة من انسداد الافق وهي تفقد النصير وينفض عنها القريب قبل البعيد ، يحاصر الفلسطيني وتحاصر قضيته ويجري التآمر على قدم وساق ويترك الشعب الفلسطيني وحده في مواجهة العالم الظالم كله .
ثانيا : جاءت معجزة الاسراء والمعراج لتثبت حقا ولتؤكد ميراثا تاريخيا ودينيا ولتقول بكل وضوح ان اصحاب الرسالة الناسخة لكل من سبقها من رسالات سماوية هم من سيتسلمون مفاتيح القدس وأن هذا الحق في القدس هو حق سماوي وارث لكل من سبق من رسالات ، لا حق في القدس الا لأصحاب الرسالة الجامعة والخاتمة لكل الرسالات ، وقد فهم الصحابة وعمر بن الخطاب هذا المطلوب السماوي منهم وكان الفتح العمري للقدس ترجمة عملية لهذا الفهم .. وعندما تراجع المسلمون في حملهم لرسالة السماء سقطت القدس في ايدي الصليبيين ، عادوا الى رسالتهم الحضارية فأعادوا القدس الى حظيرتهم واصبحت القدس ميزانا لصعودهم او هبوطهم الحضاري ، وعندما كانت الامة مهزومة بكل مقاييس الهزيمة تمكنت فئة قليلة من البشر من السيطرة على القدس وذلك بمشروعها الصهيوني الذي استطاع ان يوظف الدين اليهودي اسوأ توظيف وأن يستفيد من قوى الاستكبار العالمية استفادة كبيرة . الفلسطينيون اليوم وفي حالة من الهبوط الحضاري للامة يحاولون كل ما بوسعهم ابقاء جذوة الصراع مفتوحة وألا يفقدوا البوصلة ، وقد استطاعوا ان يشكلوا خطرا على المشروع الصهيوني نيابة عن الامة وأن يستلهموا من رسالة الاسراء والمعراج معنى الرسالة وان يفتحوا المواجهة مع هذا الغاصب الى حين استكمال الامة عوامل نهوضها وعودتها الى اسباب استرداد قدسها ، يبقى الفلسطيني على خط الاسراء المواجه في معركة القدس وعلى خط المعراج التحدي للارتفاع الحضاري الذي سيحقق حتما النصرة اللازمة للقدس .
ثالثا : الفلسطيني هذه الايام يستلهم من معجزة الاسراء والمعراج البشرى التي لا تقبل الشك حيث يقرأ ويرى بأم عينه أن كل يوم جديد يقرب من النهاية المحتومة للمشروع الصهيوني الغاصب للقدس " فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علو تتبيرا " .. الفلسطيني يقرأ هذه الآية الكريمة فتسري البشرى في عروقه ولا يقف عندها متواكلا ومتراجعا بل تلهب عزائمه لينطلق مجاهدا ومواجها مهما كانت امكاناته قليلة ومتواضعة، انه هناك على مشارف فلسطين من غزة عبر مسيرات قضت مضاجعهم وعيونه ترنو للقدس ، واهالي القدس على بوابات الاقصى تتعملق إراداتهم وتقطع الطريق على مطامعهم ، وفي الضفة رجال تشتعل قلوبهم وتتحرك إراداتهم لتصنع مستقبل فلسطين .. وأصحاب المشروع الصهيوني يتخوفون من جبهات عدة منها مفتوحة ومنها تنتظر الفرصة السانحة.