فلسطين أون لاين

​ضوابط لتصحيح مسار جلسات "القيل والقال"

...
غزة - هدى الدلو

يميل الإنسان بطبيعته إلى الاجتماع والألفة، وترغب نفسه في مجالسة الأقران، لأنه يجد في مثل هذه الجلسات فضفضة لهمومه، ونشوة لروحه، ودخلت على هذه المجالس أمور الدنيا واختلط فيها الحلال والحرام، لهذا وجدنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حدد لها قوانين "مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ"، و"ترة" تعني حسرة وندامة ومنقصة، وفي أغلب الأحيان تطغى الثرثرة في جلسات النساء أكثر منها في مجالس الرجال، فما هي إيجابيات وسلبيات هذه الجلسات؟ وكيف يمكن تصحيح مسارها؟، هذا ما نتحدث عنه في السياق الآتي:

للنساء أشد تحذيرًا

قال العضو الاستشاري في رابطة علماء فلسطين الداعية أحمد زمارة: "إن كان هذا الأمر على إطلاقه فإنه للنساء أشد تحذيرًا وأكثر ضبطًا، لأن مجالس النساء تنعقد بلا موعد، وتقوم بلا أجندة، وتُفتح فيه المواضيع في جميع المجالات بلا حدود، أخذٌ ورد، حديثٌ بلا صمت" .

وأضاف لـ"فلسطين": "كما أن هذه الجلسات لا تُقيد بمكانٍ معين ولا زمان محدد ولا جدول مسبق، قد ينعقد المجلس في المنزل أو السوق أو المسجد أو المتنزه، فما أن تقابل الواحدة صاحبتها إلا وتفتح المواضيع ويدور نقاش طويل".

وتابع: "المجلس بحد ذاته لا حرج فيه إن ضُبط بضوابط الشرع وحافظ على عدم اللغو والخوض في الأعراض وانتهاك المحرمات، لأن المجالس والاجتماعات إن لم تُربط وتُهذَّب بالدِّين والأخلاق، أصبحَت مرتعًا للقيل والقال، وكسبًا للآثام؛ بين غيبة وكذب وافتراء، وكشفٍ للأسرار وهتكٍ للأعراض، وضياع للحياء؛ فتلك لم يَفتُر لسانها من الشَّكوى والتذمُّر من الزوج والأبناء، وتلك التي نصبَت نفسها مفتيةً ومُصلحة وهي مخربة، فهدمَت البيوت، وشتَّتَت الأحباب، تُستباح الغِيبة، وتُفشى الأسرار الزوجيَّة، مع اللمز والهمز بطرق ملتوية".

وذكر قول تعالى: "وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ"، مشيرا إلى ما ورد عن عمرُ رضي الله عنه: "مَن كَثُر كلامه كَثُر سقَطُه، ومن كثر سَقطه قلَّ حياؤه، ومن قلَّ حياؤه قلَّ ورعُه، ومن قلَّ ورعه مات قلبُه".

عند حدود الله

وأوضح زمارة أنه لذلك وجب على المرأة المسلمة أن تكون وقافة عند حدود الله، وأن تأخذ من الصحابيات وأمهات المؤمنين القدوة الحسنة، مبينا: "لننظر لورَع وترفُّع أمنا زَينبَ بنت جحشٍ رضي الله عنها، وهي (الشَّريك في الزوج)، في حادثة الإفك؛ قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينبَ بنتَ جحشٍ زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن أمري: (ما علمتِ؟ أو: ما رأيتِ؟) فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصَري، والله ما علمتُ إلا خيرًا، قالت عائشة: (وهي التي كانت تُساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فعصَمها الله بالورَع..)".

وقال إن هذه المجالس قد تكون جالبة للخير، ويكون فيها منفعة على النساء، إذا تم ضبطها بضوابط عدة، كأن تكون المجالس في حدود الأوقات المستحبة شرعًا، وفي الأماكن المستورة التي لا تشوبها خلطة بالرجال أو رفع صوت يهتك الستر، وأن تكون المجالس حلقات للذكر والعلم النافع وتبادل النصح والإرشاد، وإذا بدأت الغيبة والنميمة في المجلس علينا أن ننصح وننهى بالحكمة والموعظة الحسنى.

وأضاف مخاطبا النساء: "حين ترين التطفل والفضول في معرفة أخبار الناس أو التعليق على أحوالهم فذكّري من بالمجلس أن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، مذكّرًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيمَ قلبُه، ولا يستقيمُ قلبُه حتى يستقيمَ لسانُه، ولا يدخلُ رجلٌ الجنةَ لا يأمَنُ جارُه بوائقَه".